الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٣١
قد حكم بين العباد * وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب * قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال * إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد
____________________
أن يكون كلا حالا قد عمل فيها فيها؟ قلت، لا لأن الظرف لا يعمل في الحال متقدمة كما يعمل في الظرف متقدما تقول كل يوم لك ثوب ولا تقول قائما في الدار زيد (قد حكم بين العباد) قضى بينهم وفصل بأن أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار (لخزنة جهنم) للقوام بتعذيب أهلها. فإن قلت: هلا قيل الذين في النار لخزنتها؟ قلت:
لأن في ذكر جهنم تهويلا وتفظيعا، ويحتمل أن جهنم هي أبعد النار قعرا من قولهم بئر جهنام بعيدة القعر، وقولهم في النابغة جهنام تسمية بها لزعمهم أنه يلقى الشعر على لسان المنتسب إليه فهو بعيد الغور في علمه بالشعر كما قال أبو نواس في خلف الأحمر * قليذم من العياليم الخسف * وفيها أعني الكفار وأطغاهم، فلعل الملائكة الموكلين بعذاب أولئك أجوب دعوة لزيادة قربهم من الله تعالى فلهذا تعمدهم أهل النار بطلب الدعوة منهم (أو لم تك تأتيكم)؟ إلزام للحجة وتوبيخ وأنهم خلفوا وراءهم أوقات الدعاء والتضرع وعطلوا الأسباب التي يستجيب الله لها الدعوات (قالوا فادعوا) أنتم فإنا لا نجترئ على ذلك ولا نشفع إلا بشرطين كون المشفوع له غير ظالم والإذن في الشفاعة مع مراعاة وقتها وذلك قبل الحكم الفاصل بين الفريقين، وليس قولهم فادعوا لرجاء المنفعة ولكن للدلالة على الخيبة، فإن الملك المقرب إذا لم يسمع دعاؤه فكيف يسمع دعاء الكافر (في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) أي في الدنيا والآخرة، يعنى أنه يغلبهم في الدارين جميعا بالحجة والظفر على مخالفيهم وإن غلبوا في الدنيا في بعض الأحايين امتحانا من الله فالعاقبة لهم، ويتيح الله من يقتص من أعدائهم ولو بعد حين. والأشهاد جمع شاهد كصاحب وأصحاب يريد الحفظة من الملائكة والأنبياء والمؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لتكونوا
(٤٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 436 ... » »»