الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤١٥
كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب. وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار. الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به
____________________
فيها ويتربحون، فإن مصير ذلك وعاقبته إلى الزوال ووراءه شقاوة الأبد. ثم ضرب لتكذيبهم وعداوتهم للرسل وجدالهم بالباطل وما ادخر لهم من سوء العاقبة مثلا ما كان من نحو ذلك من الأمم وما أخذهم به من عقابه وأحله بساحتهم من انتقامه. وقرئ فلا يغرك (الأحزاب) الذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم وهم عاد وثمود وقرعون وغيرهم (وهمت كل أمة) من هذه الأمم التي هي قوم نوح والأحزاب (برسولهم) وقرئ برسولها (ليأخذوه) ليتمكنوا منه ومن الإيقاع به وإصابته بما أرادوا من تعذيب أو قتل، ويقال للأسير أخيذ (فأخذتهم) يعنى أنهم قصدوا أخذه فجعلت جزاءهم على إرادة أخذه أن أخذتهم (فكيف كان عقاب) فإنكم تمرون على بلادهم ومساكنهم فتعاينون أثر ذلك، وهذا تقرير فيه معنى التعجيب (أنهم أصحاب النار) في محل الرفع بدل من كلمة ربك: أي مثل ذلك الوجوب وجب على الكفرة كونهم من أصحاب النار، ومعناه: كما وجب إهلاكهم في الدنيا بالعذاب المستأصل كذلك وجب إهلاكهم بعذاب النار في الآخرة، أو في محل النصب بحذف لام التعليل وإيصال الفعل. والذين كفروا قريش ومعناه: كما وجب إهلاك أولئك الأمم كذلك وجب إهلاك هؤلاء لأن علة واحدة تجمعهم أنهم من أصحاب النار. وقرئ كلمات. روى أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (لا تتفكروا في عظم ربكم، ولكن تفكروا فيما خلق الله من الملائكة، فإن خلقا من الملائكة يقال له إسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله وقدماه في الأرض السفلى وقد مرق رأسه من سبع سماوات، وإنه ليتضاءل من عظمة الله حتى يصير كأنه الوصع) وفى الحديث (إن الله تعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلا لهم على سائر الملائكة) وقيل خلق الله العرش من جوهرة خضراء وبين القائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام. وقيل حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون به مهللين مكبرين ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام قد وضعوا أيديهم على عواتقهم رافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير، ومن ورائهم مائة ألف صف قد وضعوا الأيمان على الشمائل ما منهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر. وقرأ ابن عباس العرش بضم العين. فإن قلت:
ما فائدة قوله (ويؤمنون به) ولا يخفى على أحد أن حملة العرش ومن حوله من الملائكة الذين يسبحون بحمد ربهم مؤمنون؟ قلت: فائدته إظهار شرف الإيمان وفضله والترغيب فيه، كما وصف الأنبياء في غير موضع من كتابه
(٤١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 410 411 412 413 414 415 416 417 418 419 420 ... » »»