الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤١٦
ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن
____________________
بالصلاح لذلك، وكما عقب أعمال الخير بقوله تعالى - ثم كان من الذين آمنوا - فأبان بذلك فضل الإيمان، وفائدة أخرى وهى التنبيه على أن الأمر لو كان كما تقول المجسمة لكان حملة العرش ومن حوله مشاهدين معاينين، ولما وصفوا بالإيمان لأنه إنما يوصف بالإيمان الغائب، فلما وصفوا به على سبيل الثناء عليهم علم أن إيمانهم وإيمان من في الأرض وكل من غاب عن ذلك المقام سواء في أن إيمان الجميع بطريق النظر والاستدلال لا غير، وأنه لا طريق إلى معرفته إلا هذا، وأنه منزه عن صفات الأجرام وقد روعي التناسب في قوله - ويؤمنون به - (ويستغفرون للذين آمنوا) كأنه قيل: ويؤمنون ويستغفرون لمن في مثل حالهم وصفتهم، وفيه تنبيه على أن الاشتراك في الإيمان يجب أن يكون أدعى شئ إلى النصيحة وأبعثه على إمحاض الشفقة وإن تفاوتت الأجناس وتباعدت الأماكن، فإنه لا تجانس بين ملك وإنسان، ولا بين سماوي وأرضى قط. ثم لما جاء جامع الإيمان جاء معه التجانس الكلى والتناسب الحقيقي حتى استغفر من حول العرش لمن فوق الأرض، قال الله تعالى - ويستغفرون لمن في الأرض - أي يقولون (ربنا) وهذا المضمر يحتمل أن يكون بيانا ليستغفرون مرفوع المحل مثله وأن يكون حالا. فإن قلت:
تعالى الله عن المكان فكيف صح أن يقال وسع كل شئ؟ قلت: الرحمة والعلم هما اللذان وسعا كل شئ في المعنى، والأصل وسع كل شئ رحمتك وعلمك، ولكن أزيل الكلام من أصله بأن أسند الفعل إلى صاحب الرحمة والعلم،
(٤١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 411 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 ... » »»