الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٢٣
وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم وأن يظهر في الأرض الفساد. وقال موسى إني عذت بربى وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب. وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا
____________________
تخافه وهو أقل من ذلك وأضعف وما هو إلا بعض السحرة ومثله لا يقاوم إلا ساحرا مثله، ويقولون إذا قتلته أدخلت الشبهة على الناس واعتقدوا أنك قد عجزت عن معارضته بالحجة، والظاهر أن فرعون لعنه الله كان قد استيقن أنه نبي وأن ما جاء به آيات وما بسحر، ولكن الرجل كان فيه خب وجربزة، وكان قتالا سفاكا للدماء في أهون شئ، فكيف لا يقتل من أحس منه بأنه هو الذي يثل عرشه ويهدم ملكه، ولكنه كان يخاف إن هم بقتله أن يعاجل بالهلاك، وقوله (وليدع ربه) شاهد صدق على فرط خوفه منه ومن دعوته ربه وكان قوله - ذروني أقتل موسى - تمويها على قومه وإيهاما أنهم هم الذين يكفونه، وما كان يكفه إلا ما في نفسه من هول الفزع (أن يبدل دينكم) أن يغير ما أنتم عليه وكانوا يعبدونه ويعبدون الأصنام بدليل قوله - ويذرك وآلهتك - والفساد في الأرض: التفاتن والتهارج الذي يذهب معه الأمن وتتعطل المزارع والمكاسب والمعايش ويهلك الناس قتلا وضياعا كأنه قال: إني أخاف أن يفسد عليكم دينكم بدعوتكم إلى دينه، أو يفسد عليكم دنياكم بما يظهر من الفتن بسببه. وفى مصاحف أهل الحجاز وأن يظهر بالواو معناه: إني أخاف فساد دينكم ودنياكم معا. وقرئ يظهر من أظهر والفساد منصوب، أي يظهر موسى الفساد. وقرئ يظهر بتشديد الظاء والهاء من تظهر بمعنى تظاهر: أي تتابع وتعاون. لما سمع موسى عليه السلام بما أجراه فرعون من حديث قتله قال لقومه (إني عذت) بالله الذي هو ربى وربكم، وقوله وربكم فيه بعث لهم على أن يقتدوا به فيعوذوا بالله عياذه ويعتصموا بالتوكل عليه اعتصامه، وقال (من كل متكبر) لتشمل استعاذته فرعون وغيره من الجبابرة وليكون على طريقة التعريض فيكون أبلغ، وأراد بالتكبر الاستكبار عن الإذعان للحق وهو أقبح استكبار وأدله على دناءة صاحبه ومهانة نفسه وعلى فرط ظلمه وعسفه وقال (لا يؤمن بيوم الحساب) لأنه إذا اجتمع في الرجل التجبر والتكذيب بالجزاء وقلة المبالاة بالعاقبة فقد استكمل أسباب القسوة والجراءة على الله وعباده ولم يترك عظيمة إلا ارتكبها وعذت ولذت أخوان.
وقرئ عت بالإدغام (رجل مؤمن) وقرئ رجل بسكون الجيم كما يقال عضد في عضد وكان قبطيا ابن عم لفرعون آمن بموسى سرا، وقيل كان إسرائيليا، و (من آل فرعون) صفة لرجل أو صلة ليكتم: أي يكتم إيمانه من آل
(٤٢٣)
مفاتيح البحث: آل فرعون (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 418 419 420 421 422 423 424 425 426 427 428 ... » »»