الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٢١
يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور. والله يقضى بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشئ إن الله هو السميع البصير. أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم
____________________
ولا ترى الضب بها ينجحر * يريد نفى الضب وانجحاره. فإن قلت: فعلى أي الاحتمالين يجب حمله؟ قلت:
على نفى الأمرين جميعا من قبل أن الشفعاء هم أولياء الله وأولياء الله لا يحبون ولا يرضون إلا من أحبه الله ورضيه، وإن الله لا يحب الظالمين فلا يحبونهم، وإذا لم يحبوهم لم ينصروهم ولم يشفعوا لهم، قال الله تعالى - وما للظالمين من أنصار - وقال - ولا يشفعون إلا لمن ارتضى - ولأن الشفاعة لا تكون إلا في زيادة التفضل وأهل التفضل وزيادته إنما هم أهل الثواب بدليل قوله تعالى - ويزيدهم من فضله - وعن الحسن رضي الله عنه: والله ما يكون لهم شفيع البتة. فإن قلت: الغرض حاصل بذكر الشفيع ونفيه فما الفائدة في ذكر هذه الصفة ونفيها؟ قلت: في ذكرها فائدة جليلة وهى أنها ضمت إليه ليقام انتقاء الموصوف مقام الشاهد على انتقاء الصفة لأن لا تتألى بدون موصوفها، فيكون ذلك إزالة لتوهم وجود الموصوف بيانه أنك إذا عوتبت على القعود عن الغزو فقلت: مالي فرس أركبه ولا معي سلاح أحارب به، فقد جعلت عدم الفرس وفقد السلاح علة مانعة من الركوب والمحاربة كأنك تقول: كيف يتألى التشفيع ولا شفيع، فكأن ذكر التشفيع والاستشهاد على عدم تأتيه بعدم الشفيع وضعا لانتفاء الشفيع موضع الأمر المعروف غير المنكر الذي لا ينبغي أن يتوهم خلافه. الخائنة صفة للنظرة أو مصدر بمعنى الخيانة كالعافية بمعنى المعافاة، والمراد استراق النظر إلى مالا يحل كما يفعل أهل الريب، ولا يحسن أن يراد الخائنة من الأعين لأن قوله - وما تخفى الصدور - لا يساعد عليه. فإن قلت: بم اتصل قوله (يعلم خائنة الأعين)؟ قلت:
هو خبر من أخبار هو في قوله - هو الذي يريكم - مثل - يلقى الروح - ولكن يلقى الروح قد علل بقوله - لينذر يوم التلاق - ثم استطرد ذكر أحوال يوم التلاق إلى قوله - ولا شفيع يطاع - فبعد لذلك عن أخواته (والله يقضى بالحق) يعنى والذي هذه صفاته وأحواله لا يقضى إلا بالحق والعدل لاستغنائه عن الظلم. وآلهتكم لا يقضون بشئ، وهذا تهكم بهم لأن مالا يوصف بالقدرة لا يقال فيه يقضى أولا يقضى (إن الله هو السميع البصير) تقرير لقوله - يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور - ووعيد لهم بأنه يسمع ما يقولون ويبصر ما يعملون وأنه يعاقبهم عليه وتعريض بما
(٤٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 416 417 418 419 420 421 422 423 424 425 426 ... » »»