الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤١٧
صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم. وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم. إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون. قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين
____________________
وأخرجا منصوبين على التمييز للإغراق في وصفه بالرحمة والعلم كأن ذاته رحمة وعلم واسعان كل شئ. فإن قلت:
قد ذكر الرحمة والعلم فوجب أن يكون ما بعد الفاء مشتملا على حديثهما جميعا وما ذكر إلا الغفران وحده؟ قلت:
معناه: فاغفر للذين علمت منهم التوبة واتباع سبيلك الله سبيل الحق التي نهجها لعباده ودعا إليها (إنك أنت العزيز الحكيم) أي الملك الذي لا يغلب، وأنت مع ملكك وعزتك لا تفعل شيئا إلا بداعي الحكمة وموجب حكمتك أن تفي بوعدك (وقهم السيئات) أي العقوبات أو جزاء السيئات، فحذف المضاف على أن السيئات هي الصغائر أو الكبائر المتوب عنها، والوقاية منها التكفير أو قبول التوبة. فإن قلت: ما الفائدة في استغفارهم لهم وهم تائبون صالحون، موعودون المغفرة والله لا يخلف الميعاد؟ قلت: هذا بمنزلة الشفاعة وفائدته زيادة الكرامة والثواب.
وقرئ جنة عدن وصلح بضم اللام والفتح أفصح، يقال صلح فهو صالح وصلح فهو صليح. وذريتهم: أي ينادون يوم القيامة فيقال لهم (لمقت الله أكبر) والتقدير لمقت الله أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم فاستغنى بذكرها مرة و (إذ تدعون) منصوب بالمقت الأول؛ والمعنى أنه يقال لهم يوم القيامة: كأن الله يمقت أنفسكم الأمارة بالسوء والكفر حين كان الأنبياء يدعونكم إلى الإيمان فتأبون قبوله وتختارون عليه الكفر أشد مما تمقتونهن اليوم وأنتم في النار إذ أوقعتكم فيها باتباعكم هواهن. وعن الحسن: لما رأوا أعمالهم الخبيثة مقتوا أنفسهم فنودوا لمقت الله. وقيل معناه: لمقت الله إياكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض كقوله تعالى - يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا - وإذ تدعون تعليل، والمقت: أشد البعض، فوضع في موضع أبلغ الإنكار وأشده (اثنتين) إماتتين وإحياءتين أو موتتين وحياتين، وأراد بالإماتتين خلقهم أمواتا أولا وإماتتهم عند انقضاء آجالهم
(٤١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 422 ... » »»