الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤١٩
فالحكم لله العلى الكبير. هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب. فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
رفيع الدرجات ذو العرش يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شئ
____________________
لكم إلى خروج قط بسبب كفركم بتوحيد الله وإيمانكم بالإشراك به (فالحكم لله) حيث حكم عليكم بالعذاب السرمد وقوله (العلى الكبير) دلالة على الكبرياء والعظمة وعلى أن عقاب مثله لا يكون إلا كذلك وهو الذي يطابق كبرياءه ويناسب جبروته. وقيل كأن الحرورية أخذوا قولهم لا حكم إلا لله من هذا (يريكم آياته) من الريح والسحاب والرعد والبرق والصواعق ونحوها. والرزق: المطر لأنه سببه (وما يتذكر إلا من ينيب) وما يتعظ وما يعتبر بآيات الله إلا من يتوب من الشرك ويرجع إلى الله، فإن المعاند لا سبيل إلى تذكره واتعاظه، ثم قال للمنيبين (فادعوا الله) أي اعبدوه (مخلصين له الدين) من الشرك. وإن غاظ ذلك أعداءكم ممن ليس على دينكم (رفيع الدرجات ذو العرش يلقى الروح) ثلاثة أخبار لقوله هو مترتبة على قوله الذي يريكم، أو أخبار مبتدأ محذوف وهى مختلفة تعريفا وتنكيرا. وقرئ رفيع الدرجات بالنصب على المدح ورفيع الدرجات كقوله تعالى - ذي المعارج - وهى مصاعد الملائكة إلى أن تبلغ العرش، وهى دليل على عزته وملكوته. وعن ابن جبير: سماء فوق سماء والعرش فوقهن. ويجوز أن يكون عبارة عن رفعة شأنه وعلو سلطانه كما أن ذا العرش عبارة عن ملكه. وقيل هي درجات ثوابه التي ينزلها أولياءه في الجنة (الروح من أمره) الذي هو سبب الحياة من أمره يريد الوحي الذي هو أمر بالخير وبعث عليه فاستعار له الروح كما قال تعالى - أو من كان ميتا فأحييناه - (لينذر) الله أو الملقى عليه وهو الرسول أو الروح. وقرئ لتنذر: أي الروح لأنها تؤنث أو على خطاب الرسول. وقرئ لينذر يوم التلاق على البناء للمفعول، و (يوم التلاق) يوم القيامة لأن الخلائق تلتقى فيه، وقيل يلتقى فيه أهل السماء وأهل الأرض، وقيل المعبود والعابد (يوم هم بارزون) ظاهرون لا يسترهم شئ من جبل أو أكمة أو بناء لأن الأرض بارزة قاع صفصف، ولا عليهم ثياب إنما هم عراة مكشوفون كما جاء في الحديث (يحشرون عراة حفاة غرلا) (لا يخفى على الله منهم شئ) أي من أعمالهم وأحوالهم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: لا يخفى عليه منهم شئ. فإن قلت:
قوله - لا يخفى على الله منهم شئ - بيان وتقرير لبروزهم، والله تعالى لا يخفى عليه منهم شئ بروزا أو لم يبرزوا
(٤١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 424 ... » »»