الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٩٩
فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون. أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون. تلك القرى نقص عليك من أنبائها، ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات
____________________
في ديارهم ويرثون أرضهم هذا الشأن، وهو أنا لو نشاء أصبناهم بذنوبهم كما أصبنا من قبلهم، وأهلكنا الوارثين كما أهلكنا المورثين. وإذا قرئ بالنون فهو منصوب كأنه قيل: أو لم يهد الله للوارثين هذا الشأن بمعنى: أو لم نبين لهم أنا (لو نشاء أصبناهم بذنوبهم) كما أصبنا من قبلهم، وإنما عدى فعل الهداية باللام لأنه بمعنى التبيين.
فإن قلت: بم تعلق قوله تعالى (ونطبع على قلوبهم)؟ قلت: فيه أوجه: أن يكون معطوفا على ما دل عليه معنى أو لم يهد كأنه قيل: يغفلون عن الهداية ونطبع على قلوبهم أو على يرثون الأرض، أو يكون منقطعا بمعنى: ونحن نطبع على قلوبهم. فإن قلت: هل يجوز أن يكون ونطبع بمعنى وطبعنا كما كان لو نشاء بمعنى لو شئنا ويعطف على أصبناهم؟ قلت: لا يساعد عليه المعنى لأن القوم كانوا مطبوعا على قلوبهم موصوفين بصفة من قبلهم من اقتراف الذنوب والإصابة بها. وهذا التفسير يؤدي إلى خلوهم عن هذه الصفة، وأن الله تعالى لو شاء لاتصفوا بها (تلك القرى نقص عليك من أنبائها) كقوله - هذا بعلي شيخا - في أنه مبتدأ وخبر وحال، ويجوز أن يكون القرى صفة لتلك ونقص خبرا وأن يكون القرى نقص خبرا بعد خبر. فإن قلت: ما معنى تلك القرى حتى يكون كلاما مفيدا؟ قلت: هو مفيد ولكن بشرط التقييد بالحال كما يفيد بشرط التقييد بالصفة في قولك: هو الرجل الكريم. فإن قلت: ما معنى الإخبار عن القرى بنقص عليك من أنبائها؟ قلت: معناه أن تلك القرى المذكورة
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»