الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٠٣
وإما أن نكون نحن الملقين. قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم. وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون.
فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون. فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين. وألقي السحرة
____________________
التقوا كالمتناظرين قبل أن يتخاوضوا في الجدال، والمتصارعين قبل أن يتآخذوا للصراع، وقولهم (وإما أن نكون نحن الملقين) فيه ما يدل على رغبتهم في أن يلقوا قبله من تأكيد ضميرهم المتصل بالمنفصل وتعريف الخبر أو تعريف الخبر وإقحام الفصل، وقد سوغ لهم موسى ما تراغبوا فيه ازدراء لشأنهم وقلة مبالاة بهم وثقة بما كانوا بصدده من التأييد السماوي وأن المعجزة لن يغلبها سحر أبدا (سحروا أعين الناس) أروها بالحيل والشعوذة وخيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه كقوله تعالى - يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى - روى أنهم ألقوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا فإذا هي أمثال الحيات قد ملأت الأرض وركب بعضها بعضا (واسترهبوهم) وأرهبوهم إرهابا شديدا كأنهم استدعوا رهبتهم (بسحر عظيم) في باب السحر. روى أنهم لونوا حبالهم وخشبهم وجعلوا فيها ما يوهم الحركة، قيل جعلوا فيها الزئبق (ما يأفكون) ما موصولة أو مصدرية بمعنى ما يأفكونه: أي يقلبونه عن الحق إلى الباطل ويزورونه، أو إفكهم تسمية للمأفوك بالإفك. روى أنها لما تلقفت ملء الوادي من الخشب والحبال ورفعها موسى فرجعت عصا كما كانت، وأعدم الله بقدرته تلك الأجرام العظيمة أو فرقها أجزاء لطيفة قالت السحرة: لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا (فوقع الحق) فحصل وثبت، ومن بدع التفاسير فوقع قلوبهم: أي فأثر فيها من قولهم فأس وقيع (وانقلبوا صاغرين) وصاروا أذلاء مبهوتين (وألقي السحرة) وخروا سجدا كأنما ألقاهم ملق لشدة خرورهم، وقيل لم يتمالكوا مما رأوا فكأنهم ألقوا. عن قتادة كانوا أول النهار كفارا سحرة، وفي آخره شهداء بررة.
وعن الحسن تراه ولد في الاسلام ونشأ بين المسلمين يبيع دينه بكذا وكذا، وهؤلاء كفار نشئوا في الكفر بذلوا
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»