الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٩٤
أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين.
ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم، وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين. وإن كان
____________________
ما يكال به بالكيل كما قيل العيش لما يعاش به، أو أريد: فأوفوا الكيل ووزن الميزان، ويجوز أن يكون الميزان كالميعاد والميلاد بمعنى المصدر. ويقال بخسته حقه: إذ نقصته إياه، ومنه قيل للمكس البخس، وفي أمثالهم:
تحسبها حمقاء وهي باخس، وقيل (أشياءهم) لأنهم كانوا يبخسون الناس كل شئ في مبايعاتهم، أو كانوا مكاسين لا يدعون شيئا إلا مكسوه كما يفعل أمراء الحرمين. وروى أنهم كانوا إذا دخل الغريب بلدهم أخذوا دراهمه الجياد وقالوا هي زيوف، فقطعوها قطاعا ثم أخذوها بنقصان ظاهر، أو أعطوه بدلها زيوفا (بعد إصلاحها) بعد الإصلاح فيها: أي لا تفسدوا فيها بعد ما أصلح فيها الصالحون من الأنبياء وأتباعهم العاملين بشرائعهم، وإضافته كإضافة قوله - بل مكر الليل والنهار - بمعنى بل مكركم في الليل والنهار أو بعد إصلاح أهلها على المضاف (ذلكم) إشارة إلى ما ذكر من الوفاء بالكيل والميزان وترك البخس والإفساد في الأرض، أو إلى العمل بما أمرهم به ونهاهم عنه، ومعنى (خير لكم) يعني في الانسانية وحسن الأحدوثة وما تطلبونه من التكسب والتربح لأن الناس أرغب في متاجرتكم إذا عرفوا منكم الأمانة والسوية (إن كنتم مؤمنين) إن كنتم مصدقين لي في قولي ذلكم خير لكم (ولا تقعدوا بكل صراط) ولا تقتدوا بالشيطان في قوله - لأقعدن لهم صراطك المستقيم - فتقعدوا بكل صراط: أي بكل منهاج من مناهج الدين. والدليل على أن المراد بالصراط سبيل الحق قوله (وتصدون عن سبيل الله) ومحل توعدون وما عطف عليه النصب على الحال: أي ولا تقعدوا موعدين وصادين عن سبيل الله وباغيها عوجا. فإن قلت: صراط الحق واحد - وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله - فكيف قيل بكل صراط؟ قلت: صراط الحق واحد ولكنه يتشعب إلى معارف وحدود وأحكام كثيرة مختلفة، فكانوا إذا رأوا أحدا يشرع في شئ منها أوعدوه وصدوه. فإن قلت: إلام يرجع الضمير في (آمن به)؟ قلت: إلى صراط تقديره توعدون من آمن به وتصدون عنه، فوضع الظاهر الذي هو سبيل الله موضع الضمير زيادة في تقبيح أمرهم ودلالة على عظم ما يصدون عنه. وقيل كانوا يجلسون على الطرق والمراصد فيقولون لمن مر بهم: إن شعيبا كذاب، فلا يفتننكم عن دينكم كما كان يفعل قريش بمكة.
وقيل كانوا يقطعون الطرق. وقيل كانوا عشارين (وتبغونها عوجا) وتطلبون لسبيل الله عوجا، أي تصفونها للناس بأنها سبيل معوجة غير مستقيمة لتصدوهم عن سلوكها والدخول فيها، أو يكون تهكما بهم وأنهم يطلبون لها ما هو محال لأن طريق الحق لا يعرج (واذكروا إذ كنتم قليلا) إذ مفعول به غير ظرف: أي واذكروا على جهة الشكر وقت كونكم قليلا عددكم (فكثركم) الله ووفر عددكم. قيل إن مدين بن إبراهيم تزوج بنت لوط فولدت، فرمى الله في نسلها بالبركة والنماء فكثروا وفشوا، ويجوز إذ كنتم مقلين فقراء فكثركم فجعلكم مكثرين موسرين، أو كنتم أقلة أذلة فأعزكم بكثرة العدد والعدد (عاقبة المفسدين) آخر أمر من أفسد قبلكم من الأمم كقوم نوح وهود
(٩٤)
مفاتيح البحث: سبيل الله (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»