الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٨٨
من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين. فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين
____________________
عليكم جعل المتوقع الذي لا بد من نزوله بمنزلة الواقع، ونحوه قولك لمن طلب إليك بعض المطالب قد كان ذلك.
وعن حسان أن ابنه عبد الرحمن لسعه زنبور وهو طفل فجاء يبكي فقال له: يا بني مالك؟ قال: لسعني طوير كأنه ملتف في بردي حبرة، فضمه إلى صدره وقال له: يا بني قد قلت الشعر. والرجس العذاب من الارتجاس وهو الاضطراب (في أسماء سميتموها) في أشياء ما هي إلا أسماء ليس تحتها مسميات لأنكم تسمونها آلهة، ومعنى الإلهية فيها معدوم محال وجوده، وهذا كقوله تعالى - ما تدعون من دونه من شئ - ومعنى سميتموها: سميتم بها من سميته زيدا. وقطع دابرهم استئصالهم وتدميرهم عن آخرهم. وقصتهم أن عادا قد تبسطوا في الدنيا ما بين عمان وحضرموت، وكانت لهم أصنام يعبدونها صداء وصمود والهباء، فبعث الله إليهم هودا نبيا، وكان من أوسطهم وأفضلهم حسبا، فكذبوه وازدادوا عتوا وتجبرا، فأمسك الله عنهم القطر ثلاث سنين حتى جهدوا، وكان الناس إذا نزل بهم بلاء طلبوا إلى الله تعالى الفرج منه عند بيته المحرم مسلمهم ومشركهم، وأهل مكة إذ ذاك العماليق أولاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، وسيدهم معاوية بن بكر، فجهزت عاد إلى مكة من أماثلهم سبعين رجلا، منهم قيل بن عنز ومرثد بن سعد الذي كان يكتم اسلامه، فلما قدموا نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارجا عن الحرم، فأنزلهم وأكرمهم وكانوا أخواله وأصهاره، فأقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قيننان كانتا لمعاوية، فلما رأى طول مقامهم وذهولهم باللهو عما قدموا له أهمه ذلك وقال قد هلك أخوالي وأصهاري وهؤلاء على ما هم عليه، وكان يستحيي أن يكلمهم خيفة أن يظنوا به ثقل مقامهم عليه، فذكر ذلك للقينتين فقالتا: قل شعرا نغنيهم به لا يدرون من قاله، فقال معاوية:
ألا يا قيل ويحك قم فهينم * لعل الله يسقينا غماما فيسقي أرض عاد إن عادا * قد أمسوا ما يبينون الكلاما فلما غنتا به قالوا: إن قومكم يتغوثون من البلاء الذي نزل بهم وقد أبطأتم عليهم، فأدخلوا الحرم واستسقوا لقومكم، فقال لهم مرثد بن سعد: والله لا تسقون بدعائكم، ولكن إن أطعتم نبيكم وتبتم إلى الله سقيتم وأظهر إسلامه، فقالوا لمعاوية: احبس عنا مرثدا لا يقد من معنا مكة فإنه قد اتبع دين هود وترك ديننا، ثم دخلوا مكة فقال قيل: اللهم اسق عادا ما كنت تسقيهم، فأنشأ الله تعالى سحابات ثلاثا بيضاء وحمراء وسوداء، ثم ناداه مناد من السماء: يا قيل اختر لنفسك ولقومك، فقال: اخترت السوداء فإنها أكثر ماء، فخرجت على عاد من واد لهم يقال له المغيث فاستبشروا بها وقالوا هذا عارض ممطرنا، فإجاءتهم منها ريح عقيم فأهلكتهم، ونجا هود والمؤمنون معه، فأتوا مكة فعبدوا الله فيها حتى ماتوا. فإن قلت: ما فائدة نفي الإيمان عنهم في قوله (وما كانوا مؤمنين) مع إثبات التكذيب بآيات الله؟ قلت: هو تعريض بمن آمن منهم كمرثد بن سعد ومن نجا مع هود عليه السلام كأنه
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»