الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٠٤
ساجدين. قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون. قال فرعون أأمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون.
لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين. قالوا إنا إلى ربنا منقلبون. وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين. وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك؟
____________________
أنفسهم لله (آمنتم به) على الإخبار: أي فعلتم هذا الفعل الشنيع توبيخا لهم وتقريعا. وقرئ آمنتم بحرف الاستفهام ومعناه الإنكار والاستبعاد (إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة) إن صنعكم هذا لحيلة احتلتموها أنتم وموسى في مصر قبل أن يخرجوا إلى هذه الصحراء قد تواطأتم على ذلك لغرض لكم، وهو أن تخرجوا منها القبط وتسكنوها بني إسرائيل، وكان هذا الكلام من فرعون تمويها على الناس لئلا يتبعوا السحرة في الإيمان. وروى أن موسى عليه السلام قال للساحر الأكبر: أتؤمن بي إن غلبتك؟ قال لآتين بسحر لا يغلبه سحر، وإن غلبتني لأومنن بك، وفرعون يسمع فلذلك قال ما قال (فسوف تعلمون) وعيد أجمله ثم فصله بقوله (لأقطعن) وقرئ لأقطعن بالتخفيف وكذلك ثم لأصلبنكم (من خلاف) من كل شق طرفا، وقيل إن أول من قطع من خلاف وصلب لفرعون (إنا إلى ربنا منقلبون) فيه أوجه: أن يريدوا إنا لا نبالي بالموت لانقلابنا إلى لقاء ربنا ورحمته وخلاصنا منك ومن لقائك، أو ننقلب إلى الله يوم الجزاء فيثيبنا على شدائد القطع والصلب، أو إنا جميعا يعنون أنفسهم وفرعون ننقلب إلى الله فيحكم بيننا، أو إنا لا محالة ميتون منقلبون إلى الله فما تقدر أن تفعل بنا إلا ما لا بد لنا منه (وما تنقم منا إلا أن آمنا) وما تعيب منا إلا الإيمان بآيات الله، أرادوا وما تعيب منا إلا ما هو أصل المناقب والمفاخر كلها وهو الإيمان ومنه قوله * ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * (أفرغ علينا صبرا) هب لنا صبرا واسعا وأكثره علينا حتى يفيض علينا ويغمرنا كما يفرغ الماء إفراغا. وعن بعض السلف: إن أحدكم ليفرغ على أخيه ذنوبا ثم يقول قد مازحتك: أي يغمره بالحياء والخجل. أو صب علينا ما يطهرنا من أوضار الآثام وهو الصبر على ما توعدنا به فرعون لأنهم علموا أنهم إذا استقاموا وصبروا كان ذلك مطهرة لهم (وتوفنا مسلمين) ثابتين على الإسلام (ويذرك) عطف على يفسدوا لأنه إذا تركهم ولم يمنعهم وكان ذلك مؤديا إلى ما دعوه فسادا والى تركه وترك آلهته، فكأنه تركهم لذلك، أو هو جواب لإستفهام بالواو كما يجاب بالفاء نحو قول الحطيئة:
ألم أك جاركم ويكون بيني * وبينكم المودة والإخاء والنصب بإضمار أن تقديره: أيكون منك ترك موسى ويكون تركه إياك وآلهتك. وقرئ ويذرك وآلهتك بالرفع عطفا على أتذر موسى بمعنى أتذره وأيذرك: يعني تطلق له ذلك، أو يكون مستأنفا أو حالا على معنى أتذره وهو يذرك وآلهتك. وقرأ الحسن ويذرك بالجزم كأنه قيل يفسدوا، كما قرئ وأكن من الصالحين: كأنه قيل أصدق. وقرأ أنس رضي الله عنه ونذرك بالنون والنصب: أي يصرفنا عن عبادتك فنذرها. وقرئ ويذرك
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»