الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٩٦
(قال أو لو كنا كارهين. قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا، وسع ربنا كل شئ علما، على الله توكلنا، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين
____________________
(إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها) والأنبياء عليهم السلام لا يجوز عليهم من الصغائر إلا ما ليس فيه تنفير فضلا عن الكبائر فضلا عن الكفر؟ قلت: لما قالوا: نخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك فعطفوا على ضميره الذين دخلوا في الإيمان منهم بعد كفرهم قالوا لتعودن، فغلبوا الجماعة على الواحد فجعلوهم عائدين جميعا إجراء للكلام على حكم التغليب، وعلى ذلك أجرى شعيب عليه السلام جوابه فقال: إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها، وهو يريد عود قومه، إلا أنه نظم نفسه في جملتهم وإن كان بريئا من ذلك إجراء لكلامه على حكم التغليب. فإن قلت: فما معنى قوله: وما يكون لنا أن نعود فيها (إلا أن يشاء الله) والله تعالى متعال أن يشاء ردة المؤمنين وعودهم في الكفر؟ قلت: معناه إلا أن يشاء الله خذلاننا ومنعنا الألطاف لعلمه أنها لا تنفع فينا وتكون عبثا والعبث قبيح لا يفعله الحكيم، والدليل عليه قوله (وسع ربنا كل شئ علما) أي هو عالم بكل شئ مما كان وما يكون، فهو يعلم أحواله عباده كيف تتحول وقلوبهم كيف تتقلب، وكيف تقسو بعد الرقة وتمرض بعد الصحة، وترجع إلى الكفر بعد الإيمان (على الله توكلنا) في أن يثبتنا على الإيمان ويوفقنا لازدياد الإيقان، ويجوز أن يكون قوله إلا أن يشاء الله حسما لطمعهم في العود، لأن مشيئة الله لعودهم في الكفر محال خارج عن الحكمة. أو لو كنا كارهين الهمزة للاستفهام والواو واو الحال تقديره: أتعيدوننا في ملتكم في حال كراهتنا ومع كوننا كارهين، وما يكون لنا وما ينبغي لنا وما يصح لنا (ربنا افتح بيننا) احكم بيننا والفتاحة الحكومة أو أظهر أمرنا حتى ينفتح ما بيننا (وبين قومنا) وينكشف بأن تنزل عليهم عذابا يتبين معه أنهم على الباطل (وأنت خير الفاتحين)
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»