الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٠٧
الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم
____________________
فإن قلت: ما محل مهما؟ قلت: الرفع بمعنى أيما شئ تأتنا به، أو النصب بمعنى أيما شئ تحضرنا تأتنا به، ومن آية تبيين لمهما، والضميران في به وبها راجعان إلى مهما، إلا أن أحدهما ذكر على اللفظ والثاني أنث على المعنى لأنه في معنى الآية، ونحوه قول زهير:
ومهما يكن عند امرئ من خليقة * وإن خالها تخفى على الناس تعلم وهذه الكلمة في عداد الكلمات التي يحرفها من لا بد له في علم العربية فيضعها غير موضعها ويحسب مهما بمعنى متى ما، ويقول مهما جئتني أعطيتك، وهذا من موضعه وليس من كلام واضع العربية في شئ، ثم يذهب فيفسر: مهما تأتنا به من آية بمعنى الوقت فيلحد في آيات الله وهو لا يشعر، وهذا وأمثاله مما يوجب الجثو بين يدي الناظر في كتاب سيبويه. فإن قلت: كيف سموها آية ثم قالوا لتسحرنا بها؟ قلت: ما سموها آية لاعتقادهم أنها آية وإنما سموها اعتبارا لتسمية موسى وقصدوا بذلك الاستهزاء والتلهي (الطوفان) ما طاف بهم وغلبهم من مطر أو سيل، قيل طغى الماء فوق حروثهم وذلك أنهم مطروا ثمانية أيام في ظلمة شديدة لا يرون شمسا ولا قمرا ولا يقدر أحدهم أن يخرج من داره. وقيل أرسل الله عليهم السماء حتى كادوا يهلكون وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكة، فامتلأت بيوت القبط ماء حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم، فمن جلس غرق ولم تدخل بيوت بني إسرائيل قطرة، وفاض الماء على وجه أرضهم وركد فمنعهم من الحرث والبناء والتصرف ودام عليهم سبعة أيام.
وعن أبي قلابة: الطوفان الجدري، وهو أول عذاب وقع فيهم فبقي في الأرض. وقيل هو الموتان. وقيل الطاعون فقالوا لموسى: ادع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن بك، فدعا فرفع عنهم فما آمنوا، فنبت لهم تلك السنة من الكلإ والزرع ما لم يعهد بمثله، فأقاموا شهرا فبعث الله عليهم الجراد فأكلت عامة زروعهم وثمارهم ثم أكلت كل شئ حتى الأبواب وسقوف البيوت والثياب ولم يدخل بيوت بني إسرائيل منها شئ، ففزعوا إلى موسى ووعده التوبة فكشف عنهم بعد سبعة أيام، خرج موسى عليه السلام إلى الفضاء فأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب، فرجع الجراد إلى النواحي التي جاء منها فقالوا ما نحن بتاركي ديننا، فأقاموا شهرا فسلط عليهم القمل وهو الحمنان في قول أبي عبيدة كبار القردان، وقيل الدبا وهو أولاد الجراد قبل نبات أجنحتها، وقيل البراغيث. وعن سعيد ابن جبير السوس فأكل ما أبقاه الجراد ولحس الأرض وكان يدخل بين ثوب أحدهم وبين جلده فيمصه، وكان يأكل أحدهم طعاما فيمتلئ قملا، وكان يخرج أحدهم عشرة أجربة إلى الرحى فلا يرد منها إلا يسيرا. وعن سعيد ابن جبير أنه كان إلى جنبهم كثيب أعفر فضربه موسى بعصاه فصار قملا، فأخذت في أبشارهم وأشعارهم
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»