الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٩٣
فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين. وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين. والى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس
____________________
عنا هذا المتقشف وأريحونا من هذا المتزهد (وأهله) ومن يختص به من ذويه أو من المؤمنين (من الغابرين) من الذين غبروا في ديارهم: أي بقوا فهلكوا، والتذكير لتغليب الذكور على الإناث، وكانت كافرة موالية لأهل سدوم. وروى أنها التفتت فأصابها حجر فماتت. وقيل كانت المؤتفكة خمس مدائن. وقيل كانوا أربعة آلاف بين الشأم والمدينة، فأمطر الله عليهم الكبريت والنار. وقيل خسف بالمقيمين منهم وأمطرت الحجارة على مسافريهم وشذاذهم. وقيل أمطر عليهم ثم خسف بهم. وروى أن تاجرا منهم كان في الحرم فوقف له الحجر أربعين يوما حتى قضى تجارته وخرج من الحرم فوقع عليه. فإن قلت: أي فرق بين مطر وأمطر؟ قلت: يقال مطرتهم السماء وواد ممطور، وفي نوابغ الكلم: حرى غير ممطور حرى أن يكون غير ممطور، ومعنى مطرتهم: أصابتهم بالمطر كقولهم: غاثتهم ووبلتهم وجادتهم ورهمتهم، ويقال أمطرت عليهم كذا بمعنى أرسلته عليهم إرسال المطر فأمطر علينا حجارة من السماء - وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل - ومعنى (وأمطرنا عليهم مطرا) وأرسلنا عليهم نوعا من المطر عجيبا: يعني الحجارة، ألا ترى إلى قوله - فساء مطر المنذرين - كان يقال لشعيب عليه السلام خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه وكانوا أهل بخس للمكاييل والموازين (قد جاءتكم بينة من ربكم) معجزة شاهدة بصحة نبوتي أوجبت عليكم الإيمان بي والأخذ بما آمركم به والانتهاء عنا أنهاكم عنه فأوفوا ولا تبخسوا.
فإن قلت: ما كانت معجزته؟ قلت: قد وقع العلم بأنه كانت له معجزة لقوله - قد جاءتكم بينة من ربكم - ولأنه لا بد لمدعي النبوة من معجزة تشهد له وتصدقه وإلا لم تصح دعواه، وكان متنبئا لا نبيا، غير أن معجزته لم تذكر في القرآن كما لم تذكر أكثر معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم فيه. ومن معجزات شعيب عليه السلام ما روى من محاربة عصى موسى عليه السلام التنين حين دفع إليه غنمه، وولادة الغنم الدرع خاصة حين وعده أن تكون له الدرع من أولادها، ووقوع عصى آدم عليه السلام على يده في المرات السبع وغير ذلك من الآيات، لأن هذه كلها كانت قبل أن يستنبأ موسى عليه السلام فكانت معجزات لشعيب. فإن قلت: كيف قيل (الكيل والميزان) (وهلا قيل المكيال والميزان كما في سورة هود عليه السلام؟ قلت: أريد بالكيل آلة الكيل وهو المكيال، أو سمى
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»