الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٩٩
أن تجعل بيننا وبينهم سدا. قال ما مكنى فيه ربى خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما. آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا. فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا. قال هذا رحمة من ربى فإذا جاء وعد ربى جعله دكا وكان وعد ربى حقا.
وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا.
____________________
وقيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون شيئا أخضر إلا أكلوه ولا يابسا إلا احتملوه، وكانوا يلقون منهم قتلا وأذى شديدا. وعن النبي صلى الله عليه وسلم في صفتهم " لا يموت أحد منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح " وقيل هم على صنفين: طوال مفرطوا الطول وقصار مفرطوا القصر. قرئ خرجا وخراجا: أي جعلا نخرجه من أموالنا ونظيرهما النول والنوال. وقرئ سدا وسدا بالفتح والضم (ما مكنى فيه ربى خير) ما جعلني فيه مكينا من كثرة المال واليسار خير مما تبذلون لي من الخراج فلا حاجة بي إليه، كما قال سليمان صلوات الله عليه - فما آتاني الله خير مما آتاكم - قرئ بالإدغام وبفكه (فأعينوني بقوة) بفعلة وصناع يحسنون البناء والعمل وبالآلات (ردما) حاجزا حصينا موثقا، والردم أكبر من السد، من قولهم ثوب مردم رقاع فوق رقاع. قيل حفر الأساس حتى بلغ الماء، وجعل الأساس من الصخر والنحاس المذاب، والبنيان من زبر الحديد بينهما الحطب والفحم حتى سد ما بين الجبلين إلى أعلاهما، ثم وضع المنافيخ حتى إذا صارت كالنار صب النحاس المذاب على الحديد المحمى فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا. وقيل بعدما بين السدين مائة فرسخ.
وقرئ سوى وسووى. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن رجلا أخبره به فقال: كيف رأيته؟ قال:
كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء، قال: قد رأيته ". والصدفان بفتحتين: جانبا الجبلين لأنهما يتصادفان:
أي يتقابلان. وقرئ الصدفين بضمتين والصدفين بضمة وسكون والصدفين بفتحة وضمة. والقطر: النحاس المذاب لأنه يقطر، و (قطرا) منصوب بأفرغ، وتقديره: آتوني قطرا أفرغ عليه قطرا، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه. وقرئ قال ائتوني: أي جيئوني (فما استطاعوا) بحذف التاء للخفة لأن التاء قريبة المخرج من الطاء، وقرئ فما اصطاعوا بقلب السين صادا، وأما من قرأ بإدغام التاء في الطاء فملاق بين ساكنين على غير الحد (أن يظهروه) أن يعلوه: أي لاحية لهم فيه من صعود لارتفاعه وانملاسه ولا نقب لصلابته وثخانته (هذا) إشارة إلى السد: أي هذا السد نعمة من الله و (رحمة) على عباده، أو هذا الإقدار والتمكين من تسويته (فإذا جاء وعد ربى) يعنى فإذا دنا مجئ يوم القيامة وشارف أن يأتي جعل السد (دكا) أي مدكوكا مبسوطا مسوى بالأرض، وكل ما انبسط من بعد ارتفاع فقد اندك، ومنه الجمل الأدك المنبسط السنام. وقرئ دكاء بالمد أي أرضا مستوية (وكان وعد ربى حقا) آخر حكاية قول ذي القرنين (وتركنا) وجعلنا (بعضهم) بعض الخلق (يموج في بعض) أي يضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى، ويجوز أن يكون الضمير ليأجوج ومأجوج وأنهم يموجون حين يخرجون مما وراء السد مزدحمين في البلاد. وروى يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه، ثم يأكلون
(٤٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 494 495 496 497 498 499 500 501 502 503 504 ... » »»