واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا. إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد
____________________
الجنة والنار. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عنه أي عن قضاء الأمر فقال: " حين يذبح الكبش والفريقان ينظران " وإذ بدل من يوم الحسرة أو منصوب بالحسرة (وهم في غفلة) متعلق بقوله في ضلال مبين عن الحسن: وأنذرهم اعتراض أو هم متعلق بأنذرهم: أي وأنذرهم على هذه الحال غافلين غير مؤمنين. يحتمل أن يميتهم ويخرب ديارهم وأنه يفنى أجسادهم ويفنى الأرض ويذهب بها. الصديق من أبنية المبالغة ونظيره الضحيك والنطيق، والمراد فرط صدقه وكثرة ما صدق به من غيوب الله وآياته وكتبه ورسله، وكان الرجحان والغلبة في هذا التصديق للكتب والرسل: أي كان مصدقا بجميع الأنبياء وكتبهم وكان نبيا في نفسه كقوله تعالى - بل جاء بالحق وصدق المرسلين - أو كان بليغا في الصدق لأن ملاك أمر النبوة الصدق ومصدق الله بآياته ومعجزاته حرى أن يكون كذلك، وهذه الجملة وقعت اعتراضا بين المبدل منه وبدله أعني إبراهيم، و (إذ قال) نحو قولك رأيته زيدا ونعم الرجل أخاك. ويجوز أن يتعلق إذ بكان أو بصديقا نبيا: أي كان جامعا لخصائص الصديقين والأنبياء حين خاطب أباه تلك المخاطبات، والمراد بذكر الرسول إياه وقصته في الكتاب أن يتلو ذلك على الناس ويبلغه إياهم كقوله - واتل عليهم نبأ إبراهيم - وإلا فالله عز وجل هو ذاكره ومورده في تنزيله. التاء في (يا أبت) عوض من ياء الإضافة ولا يقال يا أبتي لئلا يجمع بين العوض والمعوض منه، وقيل يا أبتا لكون الألف بدلا من الياء، وشبه ذلك سيبويه بأينق وتعويض الياء فيه عن الواو الساقطة. انظر حين أراد أن ينصح أباه ويعظه فيما كان متورطا فيه من الخطأ العظيم والارتكاب الشنيع الذي عصى فيه أمر العقلاء وانسلخ عن قضية التمييز ومن الغباوة التي ليس بعدها غباوة كيف رتب الكلام معه في أحسن اتساق وساقه أرشق مساق مع استعمال المجاملة واللطف والرفق واللين والأدب الجميل والخلق الحسن منتصحا في ذلك بنصيحة ربه عز وعلا. حدث أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام: إنك خليلي، حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار، فإن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أظله تحت عرشي وأسكنه حظيرة القدس وأدنيه من جواري " وذلك أنه طلب منه أولا العلة في خطئه طلب منبه على تماديه موقظ لإفراطه وتناهيه، لأن المعبود لو كان حيا مميزا سميعا بصيرا مقتدرا على الثواب والعقاب نافعا ضارا إلا أنه بعض الخلق، لاستخف عقل من أهله للعبادة ووصفه بالربوبية، ولسجل عليه بالغي المبين والظلم العظيم وإن كان أشرف الخلق وأعلاهم منزلة كالملائكة والنبيين، قال الله تعالى - ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون - وذلك أن العبادة هي غاية التعظيم فلا تحق إلا لمن له غاية الإنعام، وهو الخالق الرازق المحيى المميت المثيب المعاقب الذي منه أصول النعم وفروعها، فإذا وجهت إلى غيره وتعالى علوا كبيرا أن تكون هذه الصفة لغيره لم يكن إلا ظلما وعتوا وغيا وكفرا وجحودا وخروجا عن الصحيح النير إلى الفاسد المظلم، فما ظنك بمن وجه عبادته إلى جماد ليس به حس ولا شعور فلا يسمع يا عابده ذكرك له وثناءك عليه، ولا يرى هيئات خضوعك وخشوعك له، فضلا أن يغنى عنك بأن تستدفعه بلاء فيدفعه أو تسنح لك حاجة فيكفيكها. ثم ثنى بدعوته إلى الحق مترفقا به متلطفا فلم يسم أباه بالجهل المفرط ولا نفسه بالعلم الفائق ولكنه قال: إن معي طائفة من العلم وشيئا