الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٩٧
من كل شئ سببا. فاتبع سببا. حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا.
قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا. وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له
____________________
وتحوطه الظلمة من ورائه. وقيل نبيا، وقيل ملكا من الملائكة. وعن عمر رضي الله عنه أنه سمع رجلا يقول:
يا ذا القرنين، فقال: اللهم غفرا ما رضيتم أن تتسموا بأسماء الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة. وعن علي رضي الله عنه : سخر له السحاب ومدت له الأسباب وبسط له النور. وسئل عنه فقال: أحب الله فأحبه. وسأله ابن الكواء: ما ذو القرنين أملك أم نبي؟ فقال: ليس بملك ولا نبي، ولكن كان عبدا صالحا ضرب على قرنه الأيمن في طاعة الله فمات، ثم بعثه الله فضرب على قرنه الأيسر فمات، فبعثه الله فسمى ذا القرنين وفيكم مثله. قيل كان يدعوهم إلى التوحيد فيقتلونه فيحييه الله تعالى. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " سمى ذا القرنين لأنه طاف قرني الدنيا: يعنى جانبيها شرقها وغربها ". وقيل كان له قرنان: أي ضفيرتان، وقيل انقرض في وقته قرنان من الناس.
وعن وهب: لأنه ملك الروم وفارس، وروى الروم والترك. وعنه كانت صفحتا رأسه من نحاس. وقيل كان لتاجه قرنان، وقيل كان على رأسه ما يشبه القرنين، ويجوز أن يلقب بذلك لشجاعته كما يسمى الشجاع كبشا لأنه ينطح أقرانه، وكان من الروم ولد عجوز ليس لها ولد غيره. والسائلون هم اليهود سألوه على جهة الامتحان، وقيل سأله أبو جهل وأشياعه، والخطاب في (عليكم) لأحد الفريقين (من كل شئ) أي من أسباب كل شئ أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه (سببا) طريقا موصلا إليه، والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة أو آلة. فأراد بلوغ المغرب (فأتبع سببا) يوصله إليه حتى بلغ وكذلك أراد المشرق فأتبع سببا أوراد بلوغ السدين فأتبع سببا، وقرئ فاتبع. قرئ حمئة من حمئت البئر إذا صار فيها الحمأة، وحامية بمعنى حارة. وعن أبي ذر " كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل فرأى الشمس حين غابت فقال: يا أبا ذر أتدري أين تغرب هذه؟ فقلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تغرب في عين حامية " وهى قراءة ابن مسعود وطلحة وابن عمر وابن عمرو والحسن. وقرأ ابن عباس حمئة، وكان ابن عباس عند معاوية، فقرأ معاوية حامية، فقال ابن عباس: حمئة، فقال معاوية لعبد الله بن عمرو: كيف تقرأ؟ قال: كما يقرأ أمير المؤمنين. ثم وجه إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب؟ قال: في ماء وطين كذلك نجده في التوراة. وروى في ثأط، فوافق قول ابن عباس، وكان ثمة رجل فأنشد قول تبع:
فرأى مغيب الشمس عند مآبها * في عين ذي خلب وثأط حرمد أي في عين ماء ذي طين وحمأ أسود، ولا تنافى بين الحمئة والحامية، فجائز أن تكون العين جامعة للوصفين جميعا. كانوا كفرة فخيره الله بين أن يعذبهم بالقتل وأن يدعوهم إلى الإسلام، فاختار الدعوة والاجتهاد في استمالتهم فقال: أما من دعوته فأبى إلا البقاء على الظلم العظيم الذي هو الشرك فذلك هو المعذب في الدارين (وأما من آمن وعمل) ما يقتضيه الإيمان (فله جزاء الحسنى) وقيل خيره بين القتل والأسر وسماه إحسانا في مقابلة القتل. فله جزاء الحسنى: فله أن يجازى المثوبة الحسنى، أو فله جزاء الفعلة الحسنى التي هي كلمة الشهادة، وقرئ: فله جزاء
(٤٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 492 493 494 495 496 497 498 499 500 501 502 ... » »»