الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٨٨
أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا. ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا.
ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا.
____________________
أيضا جعل كونه من الجن سببا في فسقه لأنه لو كان ملكا كسائر من سجد لآدم لم يفسق عن أمر ربه لأن الملائكة معصومون البتة لا يجوز عليهم ما يجوز على الجن والإنس كما قال - لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون - وهذا الكلام المعترض تعمد من الله تعالى لصيانة الملائكة عن وقوع شبهة في عصمتهم، فما أبعد البون بين ما تعمده الله وبين قول ما ضاده وزعم أنه كان ملكا ورئيسا على الملائكة فعصى فلعن ومسخ شيطانا ثم وركه على ابن عباس.
ومعنى فسق عن أمر ربه: خرج عما أمره به ربه من السجود، قال * فواسقا عن قصدها جوائرا * أوصار فاسقا كافرا بسبب أمر ربه الذي هو قوله - اسجدوا لآدم - (أفتتخذونه) الهمزة للإنكار والتعجيب كأنه قيل: أعقيب ما وجد منه تتخذونه (وذريته أولياء من دوني) وتستبدلونهم بي بئس البدل من الله إبليس لمن استبدله فأطاعه بدل طاعته (ما أشهدتهم) وقرئ ما أشهدناهم: يعنى أنكم اتخذتموهم شركاء لي في العبادة، وإنما كانوا يكونون شركاء فيها لو كانوا شركاء في الإلهية، فنفى مشاركتهم في الإلهية بقوله - ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض - لأعتضد بهم في خلقها (ولا خلق أنفسهم) أي ولا أشهدت بعضهم خلق بعض كقوله - ولا تقتلوا أنفسكم - (وما كنت متخذ المضلين) بمعنى وما كنت متخذهم (عضدا) أي أعوانا فوضع المضلين موضع الضمير ذما لهم بالإضلال، فإذا لم يكونوا عضدا لي في الخلق فما لكم تتخذونهم شركاء لي في العبادة؟ وقرئ وما كنت بالفتح الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعنى: وما صح لك الاعتضاد بهم وما ينبغي لك أن تعتز بهم. وقرأ علي رضي الله عنه - وما كنت متخذا المضلين - بالتنوين على الأصل. وقرأ الحسن عضدا بسكون الضاد ونقل ضمتها إلى العين، وقرئ عضدا بالفتح وسكون الضاد وعضدا بضمتين وعضدا بفتحتين جمع عاضد كخادم وخدم وراصد ورصد من عضده إذا قواه وأعانه (يقول) بالياء والنون. وإضافة الشركاء إليه على زعمهم توبيخا لهم وأراد الجن.
والموبق المهلك من وبق يبق وبوقا ووبق يوبق وبقا إذا هلك وأوبقه غيره، ويجوز أن يكون مصدرا كالمورد والموعد: يعنى وجعلنا بينهم واديا من أودية جهنم هو مكان الهلاك والعذاب الشديد مشتركا يهلكون فيه جميعا.
وعن الحسن: موبقا عداوة، والمعنى: عداوة هي في شدتها هلاك كقوله: لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا.
وقال الفراء: البين الوصل: أي وجلنا تواصلهم في الدنيا هلاكا يوم القيامة ويجوز أن يريد الملائكة وعزيزا وعيسى ومريم، وبالموبق البرزخ البعيد: أي وجعلنا بينهم أمدا بعيدا تهلك فيه الأشواط لفرط بعده لأنهم في قعر
(٤٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 483 484 485 486 487 488 489 490 491 492 493 ... » »»