الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٩٥
فأقامه قال لو شئت لتخذت عليه أجرا. قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل مالم تستطع عليه صبرا. أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا.
____________________
انفعل مطاوع قضضته، وقيل افعل من النقض كاحمر من الحمرة. وقرئ أن ينقض من النقض وأن ينقاص من انقاصت السن إذا انشقت طولا. قال ذو الرمة * منقاص ومنكثب * بالصاد غير معجمة (فأقامه) قيل أقامه بيده، وقيل مسحه بيده فقام واستوى، وقيل أقامه بعمود عمده به، وقيل نقضه وبناه. وقيل كان طول الجدار في السماء مائة ذراع كانت الحال حال اضطرار وافتقار إلى المطعم وقد لزمتها الحاجة إلى آخر كسب المرء وهو المسألة فلم يجدا مواسيا، فلما أقام الجدار لم يتمالك موسى لما رأى من الحرمان ومساس الحاجة أن (قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا) وطلبت على عملك جعلا حتى ننتعش ونستدفع به الضرورة، وقرئ لتخذت والتاء في تخذ أصل كما في تبع واتخذ افتعل منه كاتبع من تبع وليس من الأخذ في شئ. فإن قلت: (هذا) إشارة إلى ماذا؟
قلت: قد تصور فراق بينهما عند حلول ميعاده على ما قال موسى عليه السلام - إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني - فأشار إليه وجعله مبتدأ وأخبر عنه كما تقول هذا أخوك فلا يكون هذا إشارة إلى غير الأخ، ويجوز أن يكون إشارة إلى السؤال الثالث: أي هذا الاعتراض سبب الفراق والأصل هذا فراق بيني وبينك، وقد قرأ به ابن أبي عبلة فأضيف المصدر إلى الظرف كما يضاف إلى المفعول به (لمساكين) قيل كانت لعشرة إخوة خمسة منهم زمني وخمسة يعملون في البحر (وراءهم) أمامهم كقوله تعالى - ومن ورائهم برزخ - وقيل خلفهم وكان طريقهم في رجوعهم عليه وما كان عندهم خبره فأعلم الله به الخضر وهو جلندى. فإن قلت: قوله - فأردت أن أعيبها - مسبب عن خوف الغصب عليها فكان حقه أن يتأخر عن السبب فلم قدم عليه؟ قلت: النية به التأخير، وإنما قدم للعناية ولأن خوف الغصب ليس هو السبب وحده، ولكن مع كونها للمساكين فكان بمنزلة قولك زيد ظني مقيم.
وقيل في قراءة أبى وعبد الله كل سفينة صالحة، وقرأ الجحدري وكان أبواه مؤمنان على أن كان فيه ضمير الشأن (فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا) فخفنا أن يغشى الوالدين المؤمنين طغيانا عليهما وكفرا لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه ويلحق بهما شرا وبلاء، أو يقرن بإيمانهما طغيانه وكفره فيجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر، أو يعديهما بدائه ويضلهما بضلاله فيرتدا بسببه ويطغيا ويكفرا بعد الإيمان. وإنما خشى الخضر منه ذلك لأن الله تعالى أعلمه بحاله وأطلعه على سر أمره وأمره إياه بقتله كاخترامه لمفسدة عرفها في حياته. وفى قراءة أبى فخاف ربك.
والمعنى: فكره ربك كراهة من خاف سوء عاقبة الأمر فغيره، ويجوز أن يكون قوله فخشينا حكاية لقول الله تعالى
(٤٩٥)
مفاتيح البحث: السفينة (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 500 ... » »»