الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٩٤
قال إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا. فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض
____________________
أهون من إغراق أهل السفينة. وقيل معناه: جئت شيئا أنكر من الأول لأن ذلك كان خرقا يمكن تداركه بالسد وهذا لا سبيل إلا تداركه. فإن قلت: ما معنى زيادة لك؟ قلت: زيادة المكافحة بالعتاب على رفض الوصية والوسم بقلة الصبر عند الكرة الثانية (بعدها) بعد هذه الكرة أو المسألة (فلا تصاحبني) فلا تقاربني وإن طلبت صحبتك فلا تتابعني على ذلك. وقرئ فلا تصحبني فلا تكن صاحبي. وقرئ فلا تصحبني: أي فلا تصحبني إياك ولا تجعلني صاحبك (من لدني عذرا) قد أعذرت وقرئ لدني بتخفيف النون ولدني بسكون الدال وكسر النون كقولهم في عضد عضد. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " رحم الله أخي موسى استحيا فقال ذلك، وقال:
رحمة الله علينا وعلى أخي موسى لو لبث مع صاحبه لأبصر أعجب الأعاجيب " (أهل قرية) هي أنطاكية، وقيل الأبلة وهى أبعد أرض الله من السماء (أن يضيفوهما) وقرئ يضيفوهما، يقال ضافه إذا كان له ضيفا وحقيقته مال إليه من ضاف السهم عن الغرض، ونظيره زاره من الازورار وأضافه وضيفه أنزله وجعله ضيفه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " كانوا أهل قرية لئاما " وقيل " شر القرى التي لا يضاف الضيف فيها ولا يعرف لابن السبيل حقه " (يريد أن ينقض) استعيرت الإرادة للمداناة والمشارفة كما أستعير الهم والعزم لذلك، قال الراعي:
في مهمه قلقت به هاماتها * قلق الفؤوس إذا أردن نصولا وقال: يريد الرمح صدر أبى براء * ويعدل عن دماء بنى عقيل وقال حسان: إن دهرا يلف شملي بجمل * لزمان يهم بالإحسان وسمعت من يقول: عزم السراج أن يطفأ وطلب أن يطفأ، وإذا كان القول والنطق والشكاية والصدق والكذب والسكوت والتمرد والإباء والعزة والطواعية وغير ذلك مستعارة للجماد ولما لا يعقل فما بال الإرادة، قال:
إذا قالت الأنساع للبطن ألحق * تقول سنى للنواة طنى لا ينطق اللهو حتى ينطق العود * وشكا إلى بعبرة وتمحم فإن يك ظني صادقا وهو صادقي * " ولما سكت عن موسى الغضب تمرد مارد وعز الأبلق ولبعضهم: يأتي على أجفانه إغفاءه * هم إذا انقاد الهموم تمردا أبت الروادف والثدي لقمصها * مس البطون وأن تمس ظهورا - قالتا أتينا طائعين - ولقد بلغني أن بعض المحرفين لكلام الله تعالى ممن لا يعلم كان يجعل الضمير للخضر، لأن ما كان فيه من آفة الجهل وسقم الفهم أراه أعلى الكلام طبقة أدناه منزلة فتمحل ليرده إلى ما هو عنده أصح وأفصح، وعنده أن ما كان أبعد من المجاز كان أدخل في الإعجاز. وانقض إذا أسرع سقوطه، من انقضاض الطائر وهو
(٤٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 ... » »»