الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٠٢
كهيعص. ذكر رحمت ربك عبده زكرياء. إذ نادى ربه نداء خفيا. قال رب إني وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا ولم أكل بدعائك رب شقيا. وإني خفت الموالى من وراءى وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا. يرثني ويرث من
____________________
(كهيعص) قرأ بفتح الهاء وكسر الياء حمزة وبكسر هما عاصم وبضمهما الحسن. وقرأ الحسن: ذكر رحمة ربك:
أي هذا المتلو من القرآن ذكر رحمة ربك. وقرئ ذكر على الأمر. راعى سنة الله في إخفاء دعوته لأن الجهر والإخفاء عند الله سيان، فكان الإخفاء أولى لأنه أبعد من الرياء وأدخل في الإخلاص. وعن الحسن: نداء لا رياء فيه، أو أخفاه لئلا يلام على طلب الولد في إبان الكبرة والشيخوخة، أو أسره من مواليه الذين خافهم، أو خفت صوته لضعفه وهرمه كما جاء في صفة الشيخ صوته خفات وسمعه تارات. واختلف في سن زكريا عليه السلام فقيل ستون وخمس وستون وسبعون وخمس وسبعون وخمس وثمانون. قرئ وهن بالحركات الثلاث، وإنما ذكر العظم لأنه عمود البدن وبه قوامه وهو أصل بنائه، فإذا وهن تداعى وتساقطت قوته، ولأنه أشد ما فيه وأصلبه فإذا وهن كان ما وراءه أوهن، ووحده لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية وقصده إلى أن هذه الجنس الذي هو العمود والقوام، وأشد وما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن، ولو جمع لكان قصدا إلى معنى آخر وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه ولكن كلها. إدغام السين في الشين عن أبي عمرو، شبه الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته وانتشاره في الشعر وفشوه فيه وأخذه منه كل مأخذ باشتعال النار، ثم أخرجه مخرج الاستعارة، ثم أسند الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس وأخرج الشيب مميزا، ولم يضف الرأس اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأس زكريا، فمن ثم فصحت هذه الجملة وشهد لها بالبلاغة. توسل إلى الله بما سلف له معه من الاستجابة.
وعن بعضهم أن محتاجا سأله وقال: أنا الذي أحسنت إلى وقت كذا، فقال: مرحبا بمن توسل بنا إلينا وقضى حاجته. كان مواليه وهم عصبته إخوته وبنو عمه شرار بني إسرائيل فخفاهم على الدين أن يغيروه ويبدلوه وأن لا يحسنوا الخلافة على أمته، فطلب عقبا من صلبه صالحا يقتدى به في إحياء الدين ويرتسم مراسمه فيه (من وراءى بعد موتى. وقرأ ابن كثير من ورأى بالقصر، وهذا الظرف لا يتعلق بخفت لفساد المعنى ولكن بمحذوف، أو بمعنى الولاية في الموالى: أي خفت فعل الموالى وهو تبديلهم وسوء خلافتهم من ورائي، أو خفت الذين يلون الأمر من ورائي. وقرأ عثمان ومحمد بن علي وعلي بن الحسين رضي الله عنهم خفت الموالى من ورائي، وهذا على معنيين: أحدهما أن يكون ورائي بمعنى خلفي وبعدي فيتعلق الظرف بالموالي: أي قلوا وعجزوا عن إقامة أمر الدين فسأل ربه تقويتهم ومظاهرتهم بولي يرزقه. والثاني أن يكون بمعنى قد أمي فيتعلق بخفت ويريد أنهم خفوا قدامه ودرجوا ولم يبق منهم من به تقو واعتضاد (من لدنك) تأكيد لكونه وليا مرضيا بكونه مضافا إلى الله تعالى وصادرا من عنده، وإلا فهب لي وليا يرثني كاف، أو أراد اختراعا منك بلا سبب لأنى وامرأتي لا نصلح للولادة (يرثني ويرث) الجزم جواب الدعاء والرفع صفة ونحوه - رداء يصدقني - وعن ابن عباس والجحدرى يرثني
(٥٠٢)
مفاتيح البحث: الأكل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 497 498 499 500 501 502 503 504 505 506 507 ... » »»