الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٩٨
من أمرنا يسرا. ثم اتبع سببا. حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا. كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا. ثم اتبع سببا. حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا.
قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على
____________________
الحسنى: أي فله الفعلة الحسنى جزاء. وعن قتادة: كان يطبخ من كفر في القدور وهو العذاب النكر، ومن آمن أعطاه وكساه (من أمرنا يسرا) أي لا نأمره بالصعب الشاق ولكن بالسهل المتيسر من الزكاة والخراج وغير ذلك، وتقديره ذا يسر كقوله - قولا ميسورا - وقرئ يسرا بضمتين. وقرئ مطلع بفتح اللام وهو مصدر.
والمعنى بلغ مكان مطلع الشمس كقوله: * كأن مجر الرامسات ذيولها * يريد كأن آثار مجر الرامسات (على قوم) قيل هم الزنج. والستر الأبنية، وعن كعب: أرضهم لا تمسك الأبنية وبها أسراب، فإذا طلعت الشمس دخولها، فإذا ارتفع النهار خرجوا إلى معايشهم. وعن بعضهم: خرجت حتى جاوزت الصين، فسألت عن هؤلاء فقيل: بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة، فبلغتهم فإذا أحدهم يفرش أذنه ويلبس الأخرى، ومعي صاحب يعرف لسانهم فقالوا له: جئتنا تنظر كيف تطلع الشمس؟ قال: فبينا نحن كذلك إذ سمعنا كهيئة الصلصلة، فغشى على ثم أفقت وهم يمسحونني بالدهن، فلما طلعت الشمس على الماء إذا هي فوق الماء كهيئة الزيت، فأدخلونا سربا لهم فلما ارتفع النهار خرجوا إلى البحر فجعلوا يصطادون السمك ويطرحونه في الشمس فينضج لهم.
وقيل الستر اللباس. وعن مجاهد: من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض (كذلك) أي أمر ذي القرنين كذلك: أي كما وصفناه تعظيما لأمره (وقد أحطنا بما لديه) من الجنود والآلات وأسباب الملك (خبرا) تكثيرا لذلك وقيل لم نجعل لهم من دونها سترا مثل ذلك الستر الذي جعلنا لكم من الجبال والحصون والأبنية والأكنان من كل جنس والثياب من كل صنف. وقيل بلغ مطلع الشمس مثل ذلك: أي كما بلغ مغربها. وقيل تطلع على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم: يعنى أنهم كفرة مثلهم وحكمهم مثل حكمهم في تعذيبه لمن بقى منهم على الكفر وإحسانه إلى من آمن منهم (بين السدين) بين الجبلين وهما جبلان سد ذو القرنين ما بينهما. قرئ بالضم والفتح. وقيل ما كان من خلق الله تعالى فهو مضموم، وما كان من عمل العباد فهو مفتوح لأن السد بالضم فعل بمعنى مفعول: أي هو مما فعله الله تعالى وخلقه، والسد بالفتح مصدر حدث يحدثه الناس، وانتصب بين على أنه مفعول به مبلوغ كما أنجز على الإضافة في قوله - هذا فراق بيني وبينك - وكما ارتفع في قوله - لقد تقطع بينكم - لأنه من الظروف التي تستمع أسماء وظروفا، وهذا المكان في منقطع أرض الترك مما يلي المشرق (من دونهما قوما) هم الترك (لا يكادون يفقهون قولا) لا يكادون يفهمونه إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها كما يفهم البكم. وقرئ يفقهون: أي لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبنونه لأن لغتهم غريبة مجهولة (يأجوج ومأجوج) اسمان أعجميان بدليل منع الصرف وقرئا مهموزين. وقرأ رؤبة آجوج ومأجوج وهما من ولد يافث، وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل والديلم (مفسدون في الأرض) قيل كانوا يأكلون الناس.
(٤٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 493 494 495 496 497 498 499 500 501 502 503 ... » »»