الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٩٣
لك أمرا. قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شئ حتى أحدث لك منه ذلك. فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقا قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا.
فال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا. قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا. فانطلقا حتى إذا لقينا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن نستطيع معي صبرا.
____________________
صابرا وغير عاص أولا في محل عطفا على ستجدني. رجا موسى عليه السلام لحرصه على العلم وازدياده أن يستطيع معه صبرا بعد إفصاح الخضر عن حقيقة الأمر، فوعده بالصبر معلقا بمشيئة الله علما منه بشدة الأمر وصعوبته، وأن الحمية التي تأخذ المصلح عند مشاهدة الفساد شئ لا يطاق، هذا مع علمه أن النبي المعصوم الذي أمره الله بالمسافرة إليه واتباعه واقتباسه العلم منه برئ من أن يباشر ما فيه غميرة في الدين، وأنه لا بد لما يستسمج ظاهره من باطن حسن جميل فكيف إذا لم يعلمن. قرئ فلا تسئلني بالنون الثقيلة: يعنى فمن شرط اتباعك لي أنك إذا رأيت منى شيئا وقد علمت أنه صحيح إلا أنه غبي عليك وجه صحته فحميت وأنكرت في نفسك أن لا تفاتحني بالسؤال ولا تراجعني فيه حتى أكون أنا الفاتح عليك، وهذا من آداب المتعلم مع العالم والمتبوع مع التابع (فانطلقا) على ساحل البحر يطلبان السفينة فلما ركبا قال أهلها هما من اللصوص وأمروهما بالخروج، فقال صاحب السفينة:
أرى وجوه الأنبياء. وقيل عرفوا الخضر فحملوهما بغير نول، فلما لججوا أخذ الخضر الفأس فخرق السفينة بأن قلع لو حين من ألواحها مما يلي الماء، فجعل موسى يسد الخرق بثيابه ويقول (أخرقتها لتغرق أهلها) وقرئ لتغرق بالتشديد وليغرق أهلها من غرق وأهلها مرفوع (جئت شيئا إمرا) أتيت شيئا عظيما من أمر الأمر إذا عظم قال:
داهية دهياء إدا إمرا (بما نسبت) بالذي نسيته أو بشئ نسيته، أو بنسياني، أراد أنه نسى وصيته، ولا مؤاخذة على الناسي، أو أخرج الكلام في معرض النهى عن المؤاخذة بالنسيان يوهمه أنه قد نسى ليبسط عذره في الإنكار وهو من معاريض الكلام التي يتقى بها الكذب مع التوصل إلى الغرض كقول إبراهيم: هذه أختي، وإني سقيم، أو أراد بالنسيان الترك: أي لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرة. يقال رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه: أي ولا تغشني (عسرا) من أمري وهو اتباعه إياه يعنى ولا تعسر على متابعتك ويسرها على بالإغضاء وترك المناقشة، وقرئ عسرا بضمتين (فقتله) قيل كان قتله فتل عنقه، وقيل ضرب برأسه الحائط. وعن سعيد ابن جبير: أضجعه ثم ذبحه بالسكين. فإن قلت: لم قيل حتى إذا ركبا في السفينة خرقها بغير فاء، وحتى إذا لقيا فلاما فقتله بالفاء؟ قلت: جعل خرقها جزاء للشرط وجعل قتله من جملة الشرط معطوفا عليه، والجزاء قال أقتلت.
فإن قلت: فلم خولف بينهما؟ قلت: لأن خرق السفينة لم يتعقب الركوب وقد تعقب القتل لقاء الغلام. وقرئ زاكية وزكية: وهى الطاهرة من الذنوب، إما لأنها طاهرة عنده لأنه لم يرها قد أذنبت، وإما لأنها صغيرة لم تبلغ الحنث (بغير نفس) يعنى لم تقتل نفسا فيقتص منها. وعن ابن عباس أن نجدة الحروري كتب إليه كيف جاز قتله وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الولدان؟ فكتب إليه: إن علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك أن تقتل (نكرا) وقرئ بضمتين وهو المنكر، وقيل النكر أقل من الأمر لأن قتل نفس واحدة
(٤٩٣)
مفاتيح البحث: السفينة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 488 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 ... » »»