الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٨٧
خير عند ربك ثوابا وخير أملا. ويوم تسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا. وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا. ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا. وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه
____________________
وقيل هي الصلوات الخمس، وقيل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وعن قتادة: كل ما أريد به وجه الله (خير عند ربك ثوابا) أي ما يتعلق بها من الثواب وما يتعلق بها من الأمل لأن صاحبها يأمل في الدنيا ثواب الله ويصيبه في الآخرة. قرئ تسير من سيرت ونسير من سيرنا وتسير من سارت: أي تسير في الجو أو يذهب بها بأن تجعل هباء منبثا. وقرئ وترى الأرض على البناء للمفعول (بارزة) ليس عليها ما يسترها مما كان عليها (وحشرناهم) وجمعناهم إلى الموقف. وقرئ فلم نغادر بالنون والياء، يقال غادره وأغدره إذا تركه، ومنه الغدر ترك الوفاء، والغدير ما غادر، السيل. وشبهت حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان (صفا) مصطفين ظاهرين يرى جماعتهم كما يرى كل واحد لا يحجب أحد أحدا (لقد جئتمونا) أي قلنا لهم لقد جئتمونا، وهذا المضمر هو عامل النصب في يوم نسير. ويجوز أن ينصب بإضمار أذكر، والمعنى: لقد بعثناكم كما أنشأناكم (أول مرة) وقيل جئتمونا عراة لا شئ معكم كما خلقناكم أولا كقوله - ولقد جئتمونا فرادى - فإن قلت: لم جئ بحشرناهم ماضيا بعد نسير وترى؟ قلت: للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير وقبل البروز ليعاينوا تلك الأهوال العظائم كأنه قيل: وحشرناهم قبل ذلك (موعدا) وقتا لإنجاز ما وعدتم على ألسنة الأنبياء من البعث والنشور (الكتاب) للجنس وهو صحف الأعمال (يا ويلتنا) ينادون هلكتهم التي هلكوها خاصة من بين الهلكات (صغيرة ولا كبيرة هنة صغيرة ولا كبيرة وهى عبارة عن الإحاطة: يعنى لا يترك شيئا من المعاصي إلا أحصاه: أي أحصاها كلها كما تقول ما أعطاني قليلا ولا كثيرا لأن الأشياء إما صغار وإما كبار. ويجوز أن يريدوا: ما كانوا عندهم صغائر وكبائر وقيل لم يجتنبوا الكبائر فكتبت عليهم الصغائر وهى المناقشة، وعن ابن عباس: الصغيرة التبسم، والكبيرة القهقهة.
وعن سعيد بن جبير: الصغيرة المسيس، والكبيرة الزنى. وعن الفضيل: كان إذا قرأها قال: ضجوا والله من الصغائر قبل الكبائر (إلا أحصاها) إلا ضبطها وحصرها (ووجدوا ما عملوا حاضرا) في الصحف عتيدا أو جزاء ما عملوا (ولا يظلم ربك أحدا) فيكتب عليه ما لم يعمل أو يريد في عقاب المستحق أو يعذبه بغير جرم كما يزعم من ظلم الله في تعذيب أطفال المشركين بذنوب آبائهم (كان من الجن) كلام مستأنف جار مجرى التعليل بعد استشناء إبليس من الساجدين كأن قائلا قال: ماله لم يسجد؟ فقيل: كان من الجن (ففسق عن أمر ربه) والفاء للتسبيب
(٤٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 482 483 484 485 486 487 488 489 490 491 492 ... » »»