الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٨٦
دون الله وما كان منتصرا. هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا. واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا. المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات
____________________
دون الله)؟ قلت: معناه يقدرون على نصرته من دون الله: أي هو وحده القادر على نصرته لا يقدر أحد غيره أن ينصره، إلا أنه لم ينصره لصارف وهو استيجابه أن يخذل (وما كان منتصرا) وما كانت ممتنعا بقوته عن انتقام الله (الولاية) بالفتح النصرة والتولي، وبالكسر السلطان والملك وقد قرئ بهما، والمعنى هنالك: أي في ذلك المقام وتلك الحال النصرة لله وحده لا يملكها غيره ولا يستطيعها أحد سواه تقريرا لقوله - ولم يكن له فئة ينصرونه من دون الله - أو هنالك السلطان والملك لله لا يغلب ولا يمتنع منه، أو في مثل تلك الحال الشديدة يتولى الله ويؤمن به كل مضطر: يعنى أن قوله - يا ليتني لم أشرك بربى أحدا - كلمة ألجئ إليها فقالها جزعا مما دهاه من شؤم كفره ولولا ذلك لم يقلها. ويجوز أن يكون المعنى: هنالك الولاية لله ينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة وينتقم لهم ويشفى صدورهم من أعدائهم: يعنى أنه نصر فيما فعل بالكافر أخاه المؤمن وصدق قوله - عسى ربى أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء - ويعضده قوله (خير ثوابا وخير عقبا) أي لأوليائه، وقيل هنالك إشارة إلى الآخرة: أي في تلك الدار الولاية لله كقوله - لمن الملك - وقرئ الحق بالرفع والجر صفة للولاية ولله.
وقرأ عمرو بن عبيد بالنصب على التأكيد كقولك هذا عبد الله الحق لا الباطل وهى قراءة حسنة فصيحة، وكان عمرو بن عبيد من أفصح الناس وأنصحهم. وقرئ عقبا بضم القاف وسكونها وعقبى على فعلى وكلها بمعنى العاقبة (فاختلط به نبات الأرض) فالتف بسببه وتكاثف حتى خالط بعضه بعضا. وقيل نجع في النبات الماء فاختلط به حتى روى ورف رفيفا، وكان حق اللفظ على هذا التفسير فاختلط بنبات الأرض. ووجه صحته أن كل مختلطين موصوف كل واحد منهما بصفة صاحبه. والهشيم ما تهشم وتحطم الواحدة هشيمة. وقرئ: تذروه الريح. وعن ابن عباس: تذريه الرياح من أذرى، شبه حال الدنيا في نضرتها وبهجتها وما يتعقبها من الهلاك والفناء بحال النبات يكون أخضر وارفا ثم يهيج فتطيره الرياح كأن لم يكن (وكان الله على كل شئ) ما الإنشاء والإفناء (مقتدرا.
الباقيات الصالحات) أعمال الخير التي تبقى ثمرتها للإنسان وتفنى عنه كل ما تطمح إليه نفسه من حظوظ الدنيا،
(٤٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 481 482 483 484 485 486 487 488 489 490 491 ... » »»