الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٠٨
يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا. فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا. قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا. والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ذلك عيسى ابن مريم
____________________
فرى الجلد (يا أخت هارون) كان أخاها من أبيها من أمثل بني إسرائيل. وقيل هو أخو موسى صلوات الله عليهما.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم إنما عنوا هارون النبي وكانت من أعقابه في طبقة الأخوة وبينها وبينه ألف سنة وأكثر: وعن السدى: كانت من أولاده، وإنما قيل يا أخت هارون كما يقال يا أخا همدان: أي يا أحدا منهم.
وقيل رجل صالح أو طالح في زمانها شبهوها به: أي كنت عندنا مثله في الصلاح، أو شتموها به ولم ترد أخوة النسب. وذكر أن هارون الصالح تبع جنازته أربعون ألفا كلهم يسمى هارون تبركا به وباسمه، فقالوا: كنا نشبهك بهارون هذا. وقرأ عمر بن لجأ التيمي: ما كان أباك امرؤ سوء. وقيل احتمل يوسف النجار مريم وابنها إلى غار فلبثوا فيه أربعين يوما حتى تعلت من نفاسها ثم جاءت تحمله فكلمها عيسى في الطريق فقال: يا أماه أبشرى فإني عبد الله ومسيحه، فلما دخلت به على قومها وهم أهل بيت صالحون تباكوا وقالوا ذلك. وقيل هموا برجمها حتى تكلم عيسى عليه السلام فتركوها (فأشارت إليه) أي هو الذي يجيبكم إذا ناطقتموه، وقيل كان المستنطق لعيسى زكريا عليه السلام: وعن السدى: لما أشارت إليه غضبوا وقالوا لسخريتها بنا أشد علينا من زناها.
وروى أنه كان يرضع، فلما سمع ذلك ترك الرضاع وأقبل عليهم بوجهه واتكأ على يساره وأشار بسبابته. وقيل كلمهم بذلك ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغا يتكلم فيه الصبيان (كان) لإيقاع مضمون الجملة في زمان ماض مبهم يصلح لقريبه وبعيده وهو ههنا لقريبه خاصة والدال عليه مبنى الكلام وأنه مسوق للتعجب، ووجه آخر أن يكون نكلم حكاية حال ماضية: أي كيف عهد قبل عيسى أن يكلم الناس صبيا في المهد فيما سلف من الزمان حتى نكلم هذا. أنطقه الله أولا بأنه عبد الله رد القول النصارى، و (الكتاب) هو الإنجيل. واختلفوا في نبوته فقيل أعطيها في طفوليته أكمل الله عقله واستنبأه طفلا نظرا في ظاهر الآية. وقيل معناه: أن ذلك سبق في قضائه أو جعل الآتي لا محالة كأنه قد وجد (مباركا أينما كنت) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاعا حيث كنت وقيل معلما للخير. قرئ (وبرا) عن أبي نهيك جعل ذاته برا لفرط بره أو نصبه بفعل في معنى أوصاني وهو كلفني لأن أوصاني بالصلاة وكلفنيها واحد (والسلام على) قيل أدخل لام التعريف لتعرفه بالذكر قبله كقولك جاءنا رجل، فكان من فعل الرجل كذا، والمعنى: ذلك السلام الموجه إلى يحيى في المواطن الثلاثة موجه إلى. والصحيح أن يكون هذا التعريف تعريضا باللعنة على متهمي مريم عليها السلام وأعدائها من اليهود، وتحقيقه أن اللام للجنس:
فإذا قال: وجنس السلام على خاصة، فقد عرض بأن ضده عليكم، ونظيره قوله تعالى - والسلام على من اتبع الهدى - يعنى أن العذاب على من كذب وتولى وكان المقام مقام مناكرة وعناد فهو مئنة لنحو هذا من التعريض.
(٥٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 503 504 505 506 507 508 509 510 511 512 513 ... » »»