الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٩٢
أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا. فال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا. فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما. قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا. قال إنك لن تستطيع معي صبرا.
وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى
____________________
اعتراه من نسيانه إلى تلك الغاية، فدهش وطفق يسأل موسى عليه السلام عن سبب ذلك، كأنه قال: أرأيت ما دهاني إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت فحذف ذلك، وقيل هي الصخرة التي دون نهر الزيت، و (أن أذكره) بدل من الهاء في أنسانيه: أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان، وفى قراءة عبد الله أن أذكركه، و (عجبا) ثاني مفعولي اتخذ مثل سربا: يعنى واتخذ سبيله سبيلا عجبا وهو كونه شبيه السرب، أو قال عجبا في آخر كلامه تعجبا من حاله في رؤية تلك العجيبة ونسيانه لها، أو مما رأى من المعجزتين، وقوله - وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره - اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه. وقيل إن عجبا حكاية لتعجب موسى عليه السلام وليس بذاك (ذلك) إشارة إلى اتخاذه سبيلا: أي ذلك الذي كنا نطلب لأنه أمارة الظفر بالطلبة من لقاء الخضر عليه السلام.
قرئ نبغ بغير ياء في الوصل وإثباتها أحسن وهى قراءة أبى عمرو، وأما الوقف فالأكثر فيه طرح الياء اتباعا لخط المصحف (فارتدا) فرجعا في أدراجهما (قصصا) يقصان قصصا: أي يتبعان آثارهما اتباعا، أو فارتدا مقتصين (رحمة من عندنا) هي الوحي والنبوة (من لدنا) مما يختص بنا من العلم وهو الإخبار عن الغيوب (رشدا قرئ بفتحتين وبضمة وسكون: أي علما ذا رشد أرشد به في ديني. فإن قلت: أما دلت حاجته إلى التعلم من آخر في عهده أنه كما قيل موسى بن ميشا لا موسى بن عمران، لأن النبي يجب أن يكون أعلم أهل زمانه وإمامهم المرجوع إليه في أبواب الدين؟ قلت: لا غضاضة بالنبي في أخذ العلم من نبي مثله، وإنما يغض منه أن يأخذه ممن دونه. وعن سعيد بن جبير أنه قال لابن عباس: إن نوفا ابن امرأة كعب يزعم أن الخضر ليس بصاحب موسى وأن موسى هو موسى بن ميشا، فقال: كذب عدو الله. نفى استطاعة الصبر معه على وجد التأكيد كأنها مما لا يصح ولا يستقيم، وعلل ذلك بأنه يتولى أمورا هي في ظاهرها مناكير والرجل الصالح فكيف إذا كان نبيا لا يتمالك أن يمشئز ويمتعض ويجزع إذا رأى ذلك ويأخذ في الإنكار، و (خبرا) تمييز أي لم يحط به خبرك، أو لأن لم تحط به بمعنى لم تخبره فنصبه نصب المصدر (ولا أعصى) في محل النصب عطفا على صابرا: أي ستجدني
(٤٩٢)
مفاتيح البحث: الصبر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 487 488 489 490 491 492 493 494 495 496 497 ... » »»