الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٨٥
ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترني أنا أقل منك مالا وولدا. فعسى ربى أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا. أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا. وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهى خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربى أحدا. ولم تكن له فئة ينصرونه من
____________________
لا يثبتها إلا في الوقف. وعن أبي عمرو أنه وقف بالهاء لكنه، وقرئ: لكن هو الله ربى بسكون النون وطرح أنا، وقرأ أبي بن كعب لكن أنا على الأصل، وفى قراءة عبد الله: لكن أنا لا إله إلا هو ربى. فإن قلت: هو استدراك لماذا؟ قلت: لقوله أكفرت قال لأخيه أنت كافر بالله لكني مؤمن موحد، كما تقول زيد غائب لكن عمرا حاضر (ما شاء الله) يجوز أن تكون ما موصولة مرفوعة المحل على أنها خبر مبتدأ محذوف تقديره: الأمر ما شاء الله، أو شرطية منصوبة الموضع، والجزاء محذوف بمعنى: أي شئ شاء الله كان، ونظيرها في حذف الجواب لو في قوله - ولو أن قرآنا سيرت به الجبال - والمعنى: هلا قلت عند دخولها والنظر إلى ما رزقك الله منها الأمر ما شاء الله اعترافا بأنها وكل خير فيها إنما حصل بمشيئة الله وفضله، وأن أمرها بيده إن شاء تركها عامرة وإن شاء خربها، وقلت (لا قوة إلا بالله) إقرارا بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها إنما هو بمعونته وتأييده، إذ لا يقوى أحد في بدنه ولا في ملك يده إلا بالله تعالى. وعن عروة بن الزبير أنه كان يثلم حائطه أيام الرطب فيدخل ما شاء، وكان إذا دخله ردد هذه الآية حتى يخرج من قرأ أقل بالنصب فقد جعل أنا فصلا، ومن رفع جعله مبتدأ وأقل خبره، والجملة مفعولا ثانيا لترنى، وفى قوله (وولدا) نصرة لمن فسر النفر بالأولاد في قوله - وأعز نفرا - والمعنى: إن ترني أفقر منك فأنا أتوقع من صنع الله أن يقلب ما بي وما بك من الفقر والغنى فيرزقني لإيماني جنة (خيرا من جنتك) ويسلبك لكفرك نعمته ويخرب بستانك. والحسبان مصدر كالغفران والبطلان بمعنى الحساب: أي مقدارا قدره الله وحسبه وهو الحكم بتخربيها. وقال الزجاج: عذاب حسبان وذلك الحسبان حساب ما كسبت يداك. وقيل حسبانا مرامى الواحدة حسبانة وهى الصواعق (صعيدا زلقا) أرضا بيضاء يزلق عليها لملاستها زلقا و (غورا) كلاهما وصف بالمصدر (وأحيط) به عبارة عن إهلاكه وأصله من أحاط به العدو لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه ثم استعمل في كل إهلاك، ومنه قوله تعالى - إلا أن يحاط بكم - ومثله قولهم: أتى عليه إذا أهلكه، من أتى عليهم العدو: إذا جاءهم مستعليا عليهم. وتقليب الكفين كناية عن الندم والتحسر لأن النادم يقلب كفيه ظهرا لبطن، كما كنى عن ذلك بعض الكف والسقوط في اليد، ولأنه في معنى الندم عدى تعديته بعلى كأنه قيلذ فأصبح يندم (على ما أنفق فيها) أي أنفق في عمارتها (وهى خاوية على عروشها) يعنى أن كرومها المعرشة سقطت عروشها على الأرض وسقطت فوقها الكروم ض. قيل أرسل الله عليها نارا فأكلتها (يا ليتني) تذكر موعظة أخيه فعلم أنه أتى من جهة شركه وطغيانه فتمنى لو لم يكن مشركا حتى لا يهلك الله بستانه، ويجوز أن يكون توبة من الشرك وندما على ما كان منه ودخولا في الإيمان. وقرئ ولم يكن بالياء والتاء، وحمل ينصرونه على المعنى دون اللفظ كقوله - فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم - فإن قلت: ما معنى قوله (ينصرونه من
(٤٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 480 481 482 483 484 485 486 487 488 489 490 ... » »»