الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٨٢
تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا. وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه
____________________
عينيك ولا تعد عينيك من أعداه وعداه نقلا بالهمزة وتثقيل الحشو ومن قوله:
* فعد عما ترى إذ لا ارتجاع له * لأن معناه: فعد همك عما ترى. نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزدرى بفقراء المؤمنين وأن تنبو عينه عن رثاثة زيهم طموحا إلى زي الأغنياء وحسن شارتهم (تريد زينة الحياة الدنيا) في موضع الحال (من أغفلنا قلبه) من جعلنا قلبه غافلا عن الذكر بالخذلان، أو وجدناه غافلا عنه كقولك أجبنته وأفحمته وأنجلته: إذا وجدته كذلك، أو من أغفل إبله: إذا تركها بغير سمة: أي لم نسمه بالذكر ولم نجعلهم من الذين كتبنا في قلوبهم الإيمان، وقد أبطل الله توهم المجبرة بقوله (واتبع هواه). وقرئ أغفلنا قلبه بإسناد الفعل إلى القلب على معنى: حسبنا قلبه غافلين، من أغفلته إذا وجدته غافلا (فرطا) متقدما للحق والصواب نابذا له وراء ظهره من قولهم فرس فرط متقدم للخيل (وقل الحق من ربكم) الحق خبر مبتدأ محذوف، والمعنى:
جاء الحق وزاحت العلل فلم يبق إلا اختياركم لأنفسكم ما شئتم من الأخذ في طريق النجاة أو في طريق الهلاك، وجئ بلفظ الأمر والتخيير لأنه لما مكن من اختيار أيهما شاء فكأنه مخبر مأمور بأن يتخير ما شاء من النجدين.
شبه ما يحيط بهم من النار بالسرادق وهو الحجرة التي تكون حول الفسطاط وبين مسردق ذو سرادق. وقيل هو دخان يحيط بالكفار قبل دخولهم النار، وقيل حائط من نار يطيف بهم (يغاثوا بماء كالمهل) كقوله:
* فأعتبوا بالصيلم * وفيه تهكم، والمهل ما أذيب من جواهر الأرض، وقيل دردى الزيت (يشوى الوجوه) إذا قدم ليشرب انشوى الوجه من حرارته، عن النبي صلى الله عليه وسلم " وهو كعكر الزيت، فإذا قرب إليه
(٤٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 477 478 479 480 481 482 483 484 485 486 487 ... » »»