الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٧٤
أحصى لما لبثوا أمدا. نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى. وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا. هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا.
____________________
لبثهم لأنهم لما انتبهوا اختلفوا في ذلك، وذلك قوله - قال قائل منهم كم لبثتم؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم - وكان الذين قالوا ربكم أعلم بما لبثتم هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول، أو أي الحزبين المختلفين من غيرهم، و (أحصى) فعل ماض أي أيهم أضبط (أمدا) لأوقات لبثهم. فإن قلت: فما تقول فيمن جعله من أفعل التفضيل؟ قلت: ليست بالوجه السديد، وذلك أن بناءه من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس، ونحو أعدى من الحرب وأفلس من ابن المذلق شاذ، والقياس على الشاذ في غير القرآن ممتنع فكيف به؟ ولأن أمدا لا يخلو إما أن ينتصب بأفعل فأفعل لا يعمل، وإما أن ينصب بلبثوا فلا يسد عليه المعنى، فإن زعمت أنى أنصبه بإضمار فعل يدل عليه أحصى كما أضمر في قوله * وأضرب منا بالسيوف القوانسا * على نضرب القوانس فقد أبعدت المتناول وهو قريب حيث أبيت أن يكون أحصى فعلا ثم رجعت مضطرا إلى تقديره وإضماره. فإن قلت: كيف جعل الله تعالى العلم بإحصائهم المدة غرضا في الضرب على آذانهم؟ قلت: الله عز وجل لم يزل عالما بذلك، وإنما أراد ما تعلق به العلم من ظهور الأمر له ليزدادوا إيمانا واعتبارا، ويكون لطفا لمؤمني زمانهم وآية بينة لكفاره (وزدناهم هدى) بالتوفيق والتثبيت (وربطنا على قلوبهم) وقويناها بالصبر على هجر الأوطان والنعيم والفرار بالدين إلى بعض الغيران وجسرناهم على القيام بكلمة الحق والتظاهر بالإسلام (إذ قاموا) بين يدي الجبار وهو دقيانوس من غير مبالاة به حين عاتبهم على ترك عبادة الصنم (فقالوا ربنا رب السماوات والأرض - شططا) قولا ذا شطط وهو الإفراط في الظلم والإبعاد فيه من شط إذا بعد، ومنه أشط في السوم وفى غيره (هؤلاء) مبتدأ، و (قومنا) عطف بيان، و (اتخذوا) خبر وهو إخبار في معنى إنكار (لولا يأتون عليهم) هلا يأتون على عبادتهم فحذف المضاف (بسلطان بين) وهو تبكيت لأن الإتيان بالسلطان على عبادة الأوثان محال وهو دليل على فساد التقليد، وأنه لابد في الدين من الحجة حتى يصح ويثبت (افترى على الله كذبا) بنسبة الشريك إليه
(٤٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 469 470 471 472 473 474 475 476 477 478 479 ... » »»