الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٨١
ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع مالهم من دونه من ولى ولا يشرك في حكمه أحدا. واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا. واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم
____________________
النسيان كان خيرة كقوله - أو ننسها نأت بخير منها - (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين) يريد لبثهم فيه أحياء مضروبا على آذانهم هذه المدة، وهو بيان لما أجمل في قوله - فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا - ومعنى قوله (قل الله أعلم بما لبثوا) أنه أعلم من الذين اختلفوا فيهم بمدة لبثهم والحق ما أخبرك الله به. وعن قتادة: أنه حكاية لكلام أهل الكتاب وقل الله أعلم رد عليهم. وقال في حرف عبد الله: وقالوا لبثوا، وسنين عطف بيان لثلثمائة، وقرئ ثلاثمائة سنين بالإضافة على وضع الجمع موضع الواحد في التمييز كقوله - بالأخسرين أعمالا - وفى قراءة أبى ثلاثمائة سنة. تسعا تسع سنين لأن ما قبله يدل عليه، وقرأ الحسن تسعا بالفتح. ثم ذكر اختصاصه بما غاب في السماوات والأرض وخفى فيها من أحوال أهلها ومن غيرها وأنه هو وحده العالم به. وجاء بما دل على التعجب من إدراكه المسموعات والمبصرات للدلالة على أن أمره في الإدراك خارج عن حد ما عليه إدراك السامعين والمبصرين، لأنه يدرك ألطف الأشياء وأصغرها كما يدرك أكبرها حجما وأكثفها جرما، ويدرك البواطن كما يدرك الظواهر (مالهم) الضمير لأهل السماوات والأرض (من ولى) من متول لأمورهم (ولا يشرك في حكمه) في قضائه (أحدا) منهم. وقرأ الحسن ولا تشرك بالتاء والجزم على النهى. كانوا يقولون له - ائت بقرآن غير هذا أو بدله - فقيل له (واتل ما أوحى إليك) من القرآن ولا تسمع لما يهذون به من طلب التبديل فلا مبدل لكلمات ربك: أي لا يقدر أحد على تبديلها وتغييرها، إنما يقدر على ذلك هو وحده - وإذا بدلنا آية مكان آية - (ولن تجد من دونه ملتحدا) ملتجأ تعدل إليه إذن هممت بذلك. قال قوم من رؤساء الكفرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نح هؤلاء الموالى الذين كأن ريحهم ريح الضأن وهم صهيب وعمار وخباب وغيرهم من فقراء المسلمين حتى نجالسك، كما قال قوم نوح - أنؤمن لك واتبعك الأرذلون - فنزلت (واصبر نفسك) واحبسها معهم وثبتها، قال أبو ذؤيب:
فصبرت عارفة لذلك حرة * ترسو إذا نفس الجبان تطلع (بالغداة والعشى) دائبين على الدعاء في كل وقت، وقيل المراد صلاة الفجر والعصر. وقرئ بالغدوة، وبالغداة أجود لأن غدوة علم في أكثر الاستعمال وإدخال اللام على تأويل التنكير كما قال: والزيد زيد المعارك، ونحوه قليل في كلامهم. يقال عداه إذا جاوزه، ومنه قولهم عدا طوره وجاءني القوم عدا زيدا، وإنما عدى بعن لتضمين عدا معنى نبا، وعلا في قولك نبت عنه عينه، وعلت عنه عينه إذا اقتحمته ولم تعلق به. فإن قلت: أي غرض في هذا التضمين، وهلا قيل ولا تعدهم عيناك أو لا تعل عيناك عنهم؟ قلت: الغرض فيه إعطاء مجموع معنيين وذلك أقوى من إعطاء معنى فذ، ألا ترى كيف رجع المعنى إلى قولك: ولا تقتحمهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم، ونحوه قوله تعالى - ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم - أي ولا تضموها إليها آكلين لها. وقرئ ولا تعد
(٤٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 476 477 478 479 480 481 482 483 484 485 486 ... » »»