الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٨٤
أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا. وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا. ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيرا منها منقلبا. قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا. لكنا هو الله ربى ولا أشرك بربى أحدا. ولولا إذ دخلت جنتك قلت
____________________
فيها. والأكل الثمر. وقرئ بضم الكاف (ولم تظلم) ولم تنقص وآتت حمل على اللفظ لأن كلتا لفظه لفظ مفرد، ولو قيل آتتا على المعنى لجاز. وقرئ وفجرنا على التخفيف. وقرأ عبد الله كل الجنتين آتي أكله برد الضمير على كل (وكان له ثمر) أي أنواع من المال من ثمر ماله إذا كثره. وعن مجاهد: الذهب والفضة: أي كانت له إلى الجنتين الموصوفتين الأموال الدثرة من الذهب والفضة وغيرهما، وكان وافر اليسار من كل وجه متمكنا من عمارة الأرض كيف شاء (وأعز نفرا) يعنى أنصارا وحشما، وقيل أولادا ذكورا لأنهم ينفرون معه دون الإناث.
(يحاوره) يراجعه الكلام من حار يحور إذا رجع وسألته فما أحار كلمة: يعنى قطروس أخذ بيد أخيه المسلم يطوف به في الجنتين ويريه ما فيهما ويعجبه منهما ويفاخره بما ملك من المال دونه. فإن قلت: فلم أفرد الجنة بعد التثنية؟
قلت: معناه ودخل ما هو جنته ماله جنة غيرها: يعنى أنه لا نصيب له في الجنة التي وعد المؤمنون فما ملكه في الدنيا هو جنته لا غير ولم يقصد الجنتين ولا واحدة منهما (وهو ظالم لنفسه) وهو معجب بما أوتى مفتخر به كافر لنعمة ربه معرض بذلك نفسه لسخط الله وهو أفحش الظلم. إخباره عن نفسه بالشك في بيدودة جنته لطول أمله واستيلاء الحرص عليه وتمادى غفلته واغتراره بالمهلة وإطراحه النظر في عواقب أمثاله، وترى أكثر الأغنياء من المسلمين وإن لم يطلقوا بنحو هذا ألسنتهم فإن ألسنة أحوالهم ناطقة به منادية عليه (ولئن رددت إلى ربى) إقسام منه على أنه إن رد إلى ربه على سبيل الفرض والتقدير وكما يزعم صاحبه، ليجدن في الآخرة خيرا من جنته في الدنيا تطمعا وتمنيا على الله وادعاء لكرامته عليه ومكانته عنده، وأنه ما أولاه الجنتين إلا لاستحقاقه واستئهاله وأن معه هذا الاستحقاق أينما توجه كقوله - إن لي عنده للحسنى (لأوتين مالا وولدا - وقرئ خيرا منهما ردا على الجنتين (منقلبا) مرجعا وعاقبة وانتصابه على التمييز: أي منقلب تلك خير من منقلب هذه لأنها فانية وتلك باقية (خلقك من تراب) أي خلق أصلك لأن خلق أصله سبب في خلقه فكان خلقه خلقا له (سواك) عدلك وكملك إنسانا ذكرا بالغا مبلغ الرجال. جعله كافرا بالله جاحدا لأنعمه لشكه في البعث كما يكون المكذب بالرسول صلى الله عليه وسلم كافرا (لكنا هو الله ربى) أصله لكن أنا فحذفت الهمزة وألقيت حركتها على نون لكن فتلاقت النونان فكان الإدغام، ونحوه قول القائل:
وترمينني بالطرف أي أنت مذنب * وتقليني لكن إياك لا أقلى أي لكن أنا لا أقليك وهو ضمير الشأن، والشأن الله ربى، والجملة خبر أنا والراجع منها إليه ياء الضمير. وقرأ ابن عامر بإثبات ألف أنا في الوصل والوقف جميعا، وحسن ذلك وقوع الألف عوضا من حذف الهمزة وغيره
(٤٨٤)
مفاتيح البحث: الأكل (1)، الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 479 480 481 482 483 484 485 486 487 488 489 ... » »»