الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٨٣
بئس الشراب وساءت مرتفقا. إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا. أولئك لهم جنات عدن تجرى من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا * وأضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا. كلتا الجنتين آتت
____________________
سقطت فروة وجهه " (بئس الشراب) ذلك (وساءت) النار (مرتفقا) متكأ من المرفق وهذا لمشاكلة قوله - وحسنت مرتفقا - وإلا فلا ارتفاق لأهل النار ولا اتكاء إلا أن يكون من قوله:
إني أرقت فبت الليل مرتفقا * كأن عيني فيها الصاب مذبوح (أولئك) خبر إن، وإنا لا نضيع اعتراض، ولك أن تجعل إنا لا نضيع وأولئك خبرين معا أو تجعل أولئك كلاما مستأنفا بيانا للأجر المبهم. فإن قلت: إذا جعلت إنا لا نضيع خبرا فأين الضمير الراجع منه إلى المبتدأ؟
قلت: من أحسن عملا: والذين آمنوا وعملوا الصالحات ينتظمهما معنى واحد، فقام من أحسن مقام الضمير، أو أردت من أحسن عملا منهم فكان كقولك: السمن منوا ان بدرهم. من الأولى للابتداء والثانية للتبيين. وتنكير أساور لإبهام أمرها في الحسن: وجمع بين السندس وهو مارق من الديباج وبين الإستبرق وهو الغليظ منه جمعا بين النوعين. وخص الاتكاء لأنه هيئة المنعمين والملوك على أسرتهم (واضرب لهم مثلا رجلين) أي ومثل حال الكافرين والمؤمنين بحال رجلين، وكانا أخوين في بني إسرائيل أحدهما كان اسمه قطروس والآخر مؤمن اسمه يهوذا. وقيل هما المذكوران في سورة والصافات في قوله - قال قائل منهم إني كان لي قرين - ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فتشاطراها، فاشترى الكافر أرضا بألف، فقال المؤمن: اللهم إن أخي اشترى أرضا بألف دينار وأنا أشترى منك أرضا في الجنة بألف فتصدق به، ثم بنى أخوه دارا بألف، فقال: اللهم إني أشترى منك دارا في الجنة بألف فتصدق به، ثم تزوج أخوه امرأة بألف، فقال: اللهم إني جعلت ألفا صداقا للحور، ثم اشترى أخوه خدما ومتاعا بألف، فقال: اللهم إني اشتريت منك الولدان المخلدين بألف فتصدق به، ثم أصابته حاجة فجلس لأخيه على طريقه فمر به في حشمه، فتعرض له فطرده ووبخه على التصدق بماله. وقيل هما مثل لأخوين من بنى مخزوم: مؤمن وهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأشد وكان زوج أم سلمة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكافر وهو الأسود بن عبد الأشد (جنتين من أعناب) بساتين من كرم (وحففناهما بنخل) وجعلنا النخل محيطا بالجنتين وهذا مما يؤثره الدهاقين في كرومهم أن يجعلوها مؤزرة بالأشجار المثمرة، يقال حفوه: إذا أطافوا به وحففته بهم: أي جعلتهم حافين حوله، وهو متعد إلى مفعول واحد فتزيده الباء مفعولا ثانيا كقولك غشيه وغشيته به (وجعلنا بينهما زرعا) جعلناها أرضا جامعة للأقوات والفواكه، ووصف العمارة بأنها متواصلة متشابكة لم يتوسطها ما يقطعها ويفصل بينها مع الشكل الحسن والترتيب الأنيق. ونعتهما بوفاء الثمار وتمام الأكل من غير نقص، ثم بما هو أصل الخير ومادته من أمر الشرب فجعله أفضل ما يسقى به وهو السيح بالنهر الجاري
(٤٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 478 479 480 481 482 483 484 485 486 487 488 ... » »»