الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٧٩
فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا. ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله
____________________
الأولين؟ قلت: هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة كما تدخل على الواقعة حالا عن المعرفة في نحو قولك جاءني رجل ومعه آخر ومررت بزيد وفى يده سيف. ومنه قوله تعالى - وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم - وفائدتها تأكيد لصوق الصفة بالموصوف والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر. وهذه الواو هي التي آذنت بأن الذين قالوا سبعة وثامنهم كلبهم قالوه عن ثبات علم وطمأنينة نفس ولم يرجموا بالظن كما غيرهم، والدليل عليه أن الله سبحانه أتبع القولين الأولين قوله رجما بالغيب، وأتبع الثالث قوله وما يعلمهم إلا قليل، وقال ابن عباس رضي الله عنه: حين وقعت الواو انقطعت العدة: أي لم يبق بعدها عدة عاد يلتفت إليها، وثبت أنهم سبعة وثامنهم كلبهم على القطع والبنات. وقيل إلا قليل من أهل الكتاب: والضمير في سيقولون على هذا لأهل الكتاب خاصة: أي سيقول أهل الكتاب فيهم كذا وكذا ولا علم بذلك إلا في قليل منهم وأكثرهم على ظن وتخمين (فلا تمار فيهم) فلا تجادل أهل الكتاب في شأن أصحاب الكهف إلا جدالا ظاهرا غير متعمق فيه، وهو أن تقص عليهم ما أوحى الله إليك فحسب، ولا تزيد من غير تجهيل لهم ولا تعنيف بهم في الرد عليهم كما قال - وجادلهم بالتي هي أحسن - (ولا تستفت) ولا تسأل أحدا منهم عن قصتهم سؤال متعنت له حتى يقول شيئا فترده عليه وتزيف ما عنده، لأن ذلك خلاف ما وصيت به من المداراة والمجاملة، ولا سؤال مسترشد لأن الله قد أرشدك بأن أوحى إليك قصتهم (ولا تقولن لشئ) ولا تقولن لأجل شئ تعزم عليه (إني فاعل ذلك) الشئ (غدا) أي فيما يستقبل من الزمان ولم يرد الغد خاصة (إلا أن يشاء الله) متعلق بالنهى لا بقوله إني فاعل، لأنه لو قال إني فاعل كذا إلا أن يشاء الله كان معناه: لا أن تعترض مشيئة الله دون فعله، وذلك مما لا مدخل فيه للنهي. وتعلقه بالنهى على وجهين: أحدهما ولا تقولن ذلك القول إلا أن يشاء الله أن تقوله بأن يأذن لك فيه. والثاني ولا تقولنه إلا بأن يشاء الله: أي إلا بمشيئة الله وهو في موضع الحال: يعنى إلا ملتبسا بمشيئة الله قائلا إن شاء الله. وفيه وجه ثالث وهو
(٤٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 474 475 476 477 478 479 480 481 482 483 484 ... » »»