الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٧٢
لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا. ماكثين فيه ابدا. وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا. مالهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
____________________
بين الحال وذي الحال ببعض الصلة، وتقديره: ولم يجعل له عوجا. جعله قيما لأنه إذا نفى عنه العوج فقد أثبت له الاستقامة. فإن قلت: ما فائدة الجمع بين نفى العوج وإثبات الاستقامة وفى أحدهما غنى عن الآخر؟ قلت: فائدته التأكيد فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو من أدنى عوج عند السبر والتصفح. وقيل قيما على سائر الكتب مصدقا لها شاهدا بصحتها. وقيل قيما بمصالح العباد وما لا بدلهم منه من الشرائع. وقرئ قيما. أنذر متعد إلى مفعولين كقوله - إنا أنذرناكم عذابا قريبا - فاقتصر على أحدهما وأصله (لينذر) الذين كفروا (بأسا شديدا) والبأس من قوله - بعذاب بئيس - وقد بؤس العذاب وبؤس الرجل بأسا وبآسة (من لدنه) صادرا من عنده، وقرئ من لدنه بسكون الدال مع إشمام الضمة وكسر النون (ويبشر) بالتخفيف والتثقيل - فإن قلت: لم اقتصر على أحد مفعولي ينذر؟ قلت: قد جعل المنذر به هو الغرض المسوق إليه فوجب الاقتصار عليه، والدليل عليه تكرير الإنذار في قوله (وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا) متعلقا بالمنذرين من غير ذكر المنذر به كما ذكر المبشر به في قوله أن لهم أجرا حسنا استغناء بتقدم ذكره. والأجر الحسن الجنة (مالهم به من علم) أي بالولد أو باتخاذه: يعنى أن قولهم هذا لم يصدر عن علم، ولكن عن جهل مفرط وتقليد للآباء، وقد استملته آباؤهم من الشيطان وتسويله. فإن قلت:
اتخاذ الله ولدا في نفسه محال فكيف قيل ما لهم به من علم؟ قلت: معناه مالهم به من علم لأنه ليس مما يعلم لاستحالته:
وانتفاء العلم بالشئ إما للجهل بالطريق الموصل إليه، وإما لأنه في نفسه محال لا يستقيم تعلق العلم به. قرئ كبرت كلمة، وكلمة بالنصب على التمييز والرفع على الفاعلية والنصب أقوى وأبلغ، وفيه معنى التعجب كأنه قيل:
ما أكبرها كلمة، و (تخرج من أفواههم) صفة للكلمة تفيد استعظاما لاجترائهم على النطق به وإخراجها من أفواههم، فإن كثيرا مما يوسوسه الشيطان في قلوب الناس ويحدثون به أنفسهم من المنكرات لا يتمالكون أن يتفوهوا به ويطلقوا به ألسنتهم بل يكظمون عليه تشورا من إظهاره، فكيف بمثل هذا المنكر؟ وقرئ كبرت بسكون الباء مع إشام الضمة. فإن قلت: إلام يرجع الضمير في كبرت؟ قلت: إلى قولهم اتخذ الله ولدا، وسميت كلمة كما يسمون القصيدة بها، شبهه وإياهم حين تولوا عنه ولم يؤمنوا به وما تداخله من الوجد والأسف على
(٤٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 467 468 469 470 471 472 473 474 475 476 477 ... » »»