الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٧٠
قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا. وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيرا.
____________________
آمنوا به أو لا تؤمنوا - وأن يكون تعليلا لقل على سبيل التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتطييب نفسه، كأنه قيل: تسل عن إيمان الجهلة بإيمان العلماء، وعلى الأول إن لم تؤمنوا به لقد آمن به من هو خير منكم. فإن قلت: ما معنى الخرور للذقن؟ قلت: السقوط على الوجه، وإنما ذكر الذقن وهو مجتمع اللحيين لأن الساجد أول ما يلقى به الأرض من جهة الذقن. فإن قلت: حرف الاستعلاء ظاهر المعنى إذا قلت خر على وجهه وعلى ذقنه، فما معنى اللام في خر لذقنه ولوجهه؟ قال: * فخر صريعا لليدين والفم * قلت: معناه جعل ذقنه ووجهه للخرور واختصه به لأن اللام للاختصاص. فإن قلت: لم كرر يخرون للأذقان؟ قلت: لاختلاف الحالين، وهما خرورهم في حال كونهم ساجدين، وخرورهم في حال كونهم باكين. عن ابن عباس رضي الله عنهما سمعه أبو جهل يقول: يا الله يا رحمن، فقال: إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلها آخر. وقيل إن أهل الكتاب قالوا: إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم فنزلت. والدعاء بمعنى التسمية لا بمعنى النداء، وهو يتعدى إلى مفعولين، تقول دعوته زيدا ثم يترك أحدهما استغناء عنه فيقال دعوت زيدا. والله والرحمن المراد بهما الاسم لا المسمى وأو للتخيير فمعنى (ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) سموا بهذا الاسم أو بهذا واذكروا إما هذا وإما هذا. والتنوين في (أيا) عوض من المضاف إليه، و (ما) صلة للإبهام المؤكد لما في أي: أي أي هذين الاسمين سميتم وذكرتم (فله الأسماء الحسنى) والضمير في فله ليس براجع إلى أحد الاسمين المذكورين، ولكن إلى مسماهما وهو ذاته تعالى لأن التسمية للذات لا للاسم، والمعنى: أياما تدعوا فهو حسن، فوضع موضعه قوله - فله الأسماء الحسنى - لأنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان لأنه منها، ومعنى كونها أحسن الأسماء أنها مستقلة بمعانى التحميد والتقديس والتعظيم (بصلاتك) بقراءة صلاتك على حذف المضاف لأنه لا يلبس من قبل أن الجهر والمخافتة صفتان تعتقبان على الصوت لا غير، والصلاة أفعال وأذكار " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بقراءته، فإذا سمعها المشركون لغوا وسبوا، فأمر بأن يخفض من صوته ". والمعنى: ولا تجهر حتى تسمع المشركين (ولا تخافت) حتى لا تسمع من خلفك (وابتغ بين) الجهر والمخافتة (سبيلا) وسطا.
وروى أن أبا بكر رضي الله عنه كان يخفى صوته بالقراءة في صلاته ويقول: أناجي ربى وقد علم حاجتي. وكان عمر رضي الله عنه يرفع صوته ويقول: أزجر الشيطان وأوقظ الوسنان، فأمر أبا بكر أن يرفع قليلا وعمر أن يخفض قليلا. وقيل معناه: ولا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها وابتغ بين ذلك سبيلا بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاة النهار. وقيل بصلاتك بدعائك. وذهب قوم إلى أن الآية منسوخة بقوله - ادعوا ربكم تضرعا وخفية - وابتغاء السبيل مثل لانتحاء الوجه الوسط في القراءة (ولى من الذل) ناصر من الذل ومانع له منه لاعتزازه
(٤٧٠)
مفاتيح البحث: الشراكة، المشاركة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 465 466 467 468 469 470 471 472 473 474 475 ... » »»