الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤١٩
إن الله عليم قدير. والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون؟. والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون؟. ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون.
____________________
مما رزق مماليككم وهم بشر مثلكم وإخوانكم فكان ينبغي أن تردوا فضل ما رزقتموه عليهم حتى تتساووا في الملبس والمطعم، كما يحكى عن أبي ذر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تلبسون وأطعموهم مما تطعمون " فما رؤي عبده بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه وإزاره إزاره من غير تفاوت (أفبنعمة الله يجحدون) فجعل ذلك من جملة جحود النعمة. وقيل هو مثل ضربه الله للذين جعلوا له شركاء فقال لهم: أنتم لا تسوون بينكم وبين عبيدكم فيما أنعمت به عليكم ولا تجعلونهم فيه شركاء ولا ترضون ذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيدي لي شركاء؟ وقيل المعنى: أن الموالي والمماليك أنا رازقهم جميعا فهم في رزقي سواء فلا تحسبن الموالي أنهم يردون على مماليكهم من عندهم شيئا من الرزق، فإنما ذلك رزقي أجريه إليهم على أيديهم. وقرئ يجحدون بالتاء والياء (من أنفسكم) من جنسكم، وقيل هو خلق حواء من ضلع آدم. والحفدة جمع حافد وهو الذي يحفد: أي يسرع في الطاعة والخدمة، ومنه قول القانت: وإليك نسعى ونحفد، وقال:
حفد الولائد بينهن وأسلمت * بأكفهن أزمة الأجمال واختلف فيهم فقيل هم الأختان على البنات، وقيل أولاد الأولاد، وقيل أولاد المرأة من الزوج الأول، وقيل المعنى: وجعل لكم حفدة: أي خدما يحفدون في مصالحكم ويعينونكم، ويجوز أن يراد بالحفدة البنون أنفسهم كقوله - سكرا ورزقا حسنا - كأنه قيل: وجعل لكم منهن أولادا هم بنون وهم حافدون: أي جامعون بين الأمرين (من الطيبات) يريد بعضها، لأن كل الطيبات في الجنة وما طيبات الدنيا إلا أنموذج منها (أفبالباطل يؤمنون) وهو ما يعتقدون من منفعة الأصنام وبركتها وشفاعتها وما هو إلا وهم باطل لم يتوصلوا إليه بدليل ولا أمارة، فليس لهم إيمان إلا به كأنه شئ معلوم مستيقن. ونعمة الله المشاهدة المعاينة التي لا شبهة فيها لذي عقل وتمييز هم كافرون بها منكرون لها كما ينكر المحال الذي لا يتصوره العقول. وقيل الباطل ما يسول لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة وغيرهما، ونعمة الله: ما أحل لهم. الرزق يكون بمعنى المصدر وبمعنى ما يرزق، فإن أردت المصدر نصبت به (شيئا) كقوله أو إطعام يتيما على لا يملك أن يرزق شيئا، وإن أردت المرزوق كان شيئا بدلا منه بمعنى قليلا، ويجوز أن يكون تأكيدا للا يملك: أي لا يملك شيئا من الملك. ومن السماوات والأرض صلة للرزق إن كان مصدرا بمعنى لا يرزق من السماوات مطرا ولا من الأرض نباتا، أو صفة إن كان اسما لما يرزق. والضمير في (ولا يستطيعون) لما لأنه في معنى الآلهة بعد ما قيل لا يملك على اللفظ، ويجوز أن يكون
(٤١٩)
مفاتيح البحث: الرزق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 424 ... » »»