الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٢٣
وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون. فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين. يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون. ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون. وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون
____________________
(سرابيل) هي القمصان والثياب من الصوف والكتان والقطن وغيرها (تقيكم الحر) لم يذكر البرد لأن الوقاية من الحر أهم عندهم، وقلما يهمهم البرد لكونه يسيرا محتملا، وقيل ما يقي من الحر يقي من البرد، فدل ذكر الحر على البرد (وسرابيل تقيكم بأسكم) يريد الدروع والجواشن. والسربال عام يقع على كل ما كان من حديد وغيره (لعلكم تسلمون) أي تنظرون في نعمه الفائضة فتؤمنون به وتنقادون له. وقرئ تسلمون من السلامة: أي تشكرون فتسلمون من العذاب أو تسلم قلوبكم من الشرك، وقيل تسلمون من الجراح بلبس الدروع (فإن تولوا) فلم يقبلوا منك فقد تمهد عذرك بعد ما أديت ما وجب عليك من التبليغ فذكر سبب العذر وهو البلاغ ليدل على المسبب (يعرفون نعمت الله) التي عددناها حيث يعترفون بها وأنها من الله (ثم ينكرونها) بعبادتهم غير المنعم بها، وقولهم هي من الله ولكنها بشفاعة آلهتنا، وقيل إنكارهم قولهم ورثناها من آبائنا، وقيل قولهم لولا فلان ما أصبت كذا لبعض نعم الله، وإنما لا يجوز التكلم بنحو هذا إذا لم يعتقد أنها من الله وأنه أجراها على يد فلان وجعله سببا في نيلها (وأكثرهم الكافرون) أي الجاحدون غير المعترفين، وقيل نعمة الله نبوة محمد عليه الصلاة والسلام كانوا يعرفونها ثم ينكرونها عنادا، وأكثرهم الجاحدون المنكرون بقلوبهم. فإن قلت: ما معنى بم؟ قلت: الدلالة على أن إنكارهم أمر مستبعد بعد حصول المعرفة، لأن حق من عرف النعمة أن يعترف لا أن ينكر (شهيدا) نبيها يشهد لهم وعليهم بالإيمان والتصديق والكفر والتكذيب (ثم لا يؤذن للذين كفروا) في الاعتذار، والمعنى: لا حجة لهم، فدل بترك الإذن على أن لا حجة لهم ولا عذر، وكذا عن الحسن (ولا هم يستعتبون) ولا هم يسترضون: أي لا يقال لهم أرضوا ربكم لأن الآخرة ليست بدار عمل. فإن قلت: فما معنى ثم هذه. قلت: معناها أنهم يمنون بعد شهادة الأنبياء بما هو أطم منها وهو أنهم يمنعوا الكلام، فلا يؤذن لهم في إلقاء معذرة ولا إدلاء بحجة. وانتصاب اليوم بمحذوف تقديره واذكر يوم نبعث أو يوم نبعث وقعوا فيما وقعوا فيه. وكذلك إذا رأوا العذاب بغتهم وثقل عليهم (فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون) كقوله - بل تأتيهم بغتة فتبهتهم - الآية. إن أرادوا بالشركاء آلهتهم فمعنى
(٤٢٣)
مفاتيح البحث: العذاب، العذب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 418 419 420 421 422 423 424 425 426 427 428 ... » »»