الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤١٨
ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون. والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا
____________________
شجر وكل ما يعرش ولا في كل مكان منها (من كل الثمرات) إحاطة بالثمرات التي تجرسها النحل وتعتاد أكلها:
أي ابني البيوت ثم كلي من كل ثمرة تشتهينها، فإذا أكلتها (فاسلكي سبل ربك) أي الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل، أو فاسلكي ما أكلت في سبل ربك: أي في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور المر عسلا من أجوافك ومنافذ مآكلك، أو إذا أكلت الثمار في المواضع البعيدة من بيوتك فاسلكي إلى بيوتك راجعة سبل ربك لا تتوعر عليك ولا تضلين فيها، فقد بلغني أنها ربما أجدب عليها ما حولها فتسافر إلى البلد البعيد في طلب النجعة وأراد بقوله ثم كلي: ثم اقصدي أكل الثمرات فاسلكي في طلبها في مظانها سبل ربك (ذللا) جمع ذلول وهي حال من السبل، لأن الله ذللها لها ووطأها وسهلها كقوله - هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا - أو من الضمير في فاسلكي:
أي وأنت ذلل منقادة لما أمرت به غير ممتنعة (شراب) يريد العسل لأنه مما يشرب (مختلف ألوانه) منه أبيض وأسود وأصفر وأحمر (فيه شفاء للناس) لأنه من جملة الأشفية والأدوية المشهورة النافعة، وقل معجون من المعاجين لم يذكر الأطباء فيه العسل، وليس الغرض أنه شفاء لكل مريض كما أن كل دواء كذلك، وتنكيره إما لتعظيم الشفاء الذي فيه، أو لأن فيه بعض الشفاء وكلاهما محتمل. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " أن رجلا جاء إليه فقال: إن أخي يشتكي بطنه، فقال: اذهب واسقه العسل، فذهب ثم رجع فقال: قد سقيته فما نفع، فقال: اذهب فاسقه عسلا فقد صدق الله وكذبت بطن أخيك، فسقاه فشفاه الله فبرأ كأنما أنشط من عقال " وعن عبد الله بن مسعود " العسل شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور، فعليكم بالشفاءين من القرآن والعسل " ومن بدع التأويلات الرافضة أن المراد بالنحل علي وقومه. وعن بعضهم أنه قال عند المهدي: إنما النحل بنو هاشم يخرج من بطونهم العلم، فقال له رجل: جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطونهم فضحك المهدي وحدث به المنصور فاتخذوه أضحوكة من أضاحيكهم (إلى أرذل العمر) إلى أخسه وأحقره وهو خمس وسبعون سنة. عن علي رضي الله عنه. وتسعون سنة عن قتادة، لأنه لا عمر أسوأ حالا من عمر الهرم (لكيلا يعلم بعد علم شيئا) ليصير إلى حالة شبيهة بحال الطفولة في النسيان وأن يعلم شيئا ثم يسرع في نسيانه فلا يعلمه إن سئل عنه. وقيل لئلا يعقل من بعد عقله الأول شيئا. وقيل لئلا يعلم زيادة علم على علمه: أي جعلكم متفاوتين في الرزق، فرزقكم أفضل
(٤١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 413 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 ... » »»