الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٢١
هل يستوون؟ الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون. وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم. ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب
____________________
لم قيل (يستوون) على الجمع؟ قلت: معناه هل يستوي الأحرار والعبيد. الأبكم: الذي ولد أخرس فلا يفهم ولا يفهم (وهو كل على مولاه) أي ثقل وعيال على من يلي أمره ويعوله (أينما يوجهه) حيثما يرسله ويصرفه في مطلب حاجة أو كفاية مهم لم ينفع ولم يأت بنجح (هل يستوي هو ومن) هو سليم الحواس نفاع ذو كفايات مع رشد وديانة فهو (يأمر) الناس (بالعدل) والخير (وهو) في نفسه (على صراط مستقيم) على سيرة صالحة ودين قويم، وهذا مثل ثان ضربه الله لنفسه ولما يفيض على عباده ويشملهم من آثار رحمته وألطافه ونعمه الدينية والدنيوية وللأصنام التي هي أموات لا تضر ولا تنفع. وقرئ أينما يوجه بمعنى أينما يتوجه، من قولهم أينما أوجه ألق سعدا.
وقرأ ابن مسعود أينما يوجه على البناء للمفعول (ولله غيب السماوات والأرض) أي يختص به علم ما غاب فيهما عن العباد وخفي عليهم علمه، أو أراد بغيب السماوات والأرض يوم القيامة على أن علمه غائب عن أهل السماوات والأرض لم يطلع عليه أحد منهم (إلا كلمح البصر أو هو أقرب) أي هو عند الله وإن تراخى كما تقولون أنتم في لشئ الذي تستقربونه هو كلمح البصر أو هو أقرب: إذا بالغتم في استقرابه، ونحوه قوله - ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده - وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون - أي هو عنده دان وهو عندكم بعيد.
وقيل المعنى: أن إقامة الساعة وإماتة الأحياء وإحياء الأموات من الأولين والآخرين يكون في أقرب وقت
(٤٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 416 417 418 419 420 421 422 423 424 425 426 ... » »»