الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤١٧
تتخذون منه سكر ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون. وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الجشر ومما يعرشون.
____________________
تقديره: ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب: أي من عصيرها، وحذف لدلالة نسقيكم قبله عليه، وقوله (تتخذون منه سكرا) بيان وكشف عن كنه الإسقاء أو يتعلق بتتخذون، ومنه من تكرير الظرف للتوكيد كقولك:
زيد في الدار فيها، ويجوز أن يكون تتخذون صفة موصوف محذوف كقوله: بكفى كان من أرمى البشر. تقديره: ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا لأنهم يأكلون بعضها ويتخذون من بعضها السكر.
فإن قلت: فإلام يرجع الضمير في منه إذا جعلته ظرفا مكررا؟ قلت: إلى المضاف المحذوف الذي هو العصير كما رجع في قوله تعالى - أو هم قائلون - إلى الأهل المحذوف. والسكر: الخمر سميت بالمصدر من سكر سكرا وسكرا نحو رشد رشدا ورشدا، قال:
وجاءونا بهم سكر علينا * فأجلى اليوم والسكران صاحي وفيه وجهان: أحدهما أن تكون منسوخة وممن قال بنسخها الشعبي والنخعي، والثاني أن يجمع بين العتاب والمنة وقيل السكر النبيذ وهو عصير العنب والزبيب والتمر إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه ثم يترك حتى يشتد، وهو حلال عند أبي حنيفة إلى حد السكر، ويحتج بهذه الآية وبقوله صلى الله عليه وسلم " الخمر حرام لعينها، والسكر من كل شراب " وبأخبار جمة، ولقد صنف شيخنا أبو علي الجبائي قدس الله روحه غير كتاب في تحليل النبيذ، فلما شيخ وأخذت منه السن العالية قيل له: لو شربت منه ما تتقوى به، فأبى فقيل له: فقد صنفت في تحليله، فقال:
تناولته الدعارة فسمج في المروءة. وقيل السكر: الطعم، وأنشد * جعلت أعراض الكرام سكرا * أي تنفلت بإعراضهم، وقيل هو من الخمر وأنه إذا ابترك في أعراض الناس فكأنه تخمر بها. والرزق الحسن: الخل والرب والتمر والزبيب وغير ذلك، ويجوز أن يجعل السكر رزقا حسنا كأنه قيل: تتخذون منه ما هو سكر ورزق حسن.
الإيحاء إلى النحل: إلهامها والقذف في قلوبها وتعليمها على وجه هو أعلم به لا سبيل لأحد إلى الوقوف عليه، وإلا فنيقتها في صنعتها ولطفها في تدبير أمرها وإصابتها فيما يصلحها دلائل بينة شاهدة على أن الله أودعها علما بذلك وفطنها كما أولى أولي العقول عقولهم. وقرأ يحيى بن وثاب إلى النحل بفتحتين وهو مذكر كالنخل وتأنيثه على المعنى (أن اتخذي) هي أن المفسرة لأن الإيحاء فيه معنى القول. قرئ بيوتا بكسر الباء لأجل الياء ويعرشون بكسر الراء وضمها: يرفعون من سقوف البيوت، وقيل ما يبنون للنحل في الجبال والشجر والبيوت من الأماكن التي تتعسل فيها والضمير في يعرشون للناس. فإن قلت: ما معنى من في قوله: (أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون) وهلا قيل في الجبال وفي الشجر؟ قلت: أريد معنى البعضية، وأن لا تبنى بيوتها في كل جبل وكل
(٤١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 422 ... » »»