وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون. وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون. ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون. ليكفروا بما آتيناهم
____________________
يخافون ربهم عاليا لهم قاهرا كقوله - وهو القاهر فوق عباده - وإنا فوقهم قاهرون - وفيه دليل على أن الملائكة مكلفون مدارون على الأمر والنهي والوعد والوعيد كسائر المكلفين، وأنهم بين الخوف والرجاء. فإن قلت:
إنما جمعوا بين العدد والمعدود فيما وراء الواحد والاثنين فقالوا عندي رجال ثلاثة وأفراس أربعة، لأن المعدود عار عن الدلالة على العدد الخاص، وأما رجل ورجلان وفرس وفرسان فمعدودان فيهما دلالة على العدد فلا حاجة إلى أن يقال رجل واحد ورجلان اثنان، فما وجه قوله (إلهين اثنين)؟ قلت: الاسم الحامل لمعنى الإفراد والتثنية دال على شيئين: على الجنسية، والعدد المخصوص، فإذا أريدت الدلالة على أن المعني به منهما والذي يساق إليه الحديث هو العدد شفع بما يؤكده فدل به على القصد إليه والعناية به، ألا ترى أنك لو قلت إنما هو إله ولم تؤكده بواحد لم يحسن وخيل أنك تثبت الإلهية لا الوحدانية (فإياي فارهبون) نقل للكلام عن الغيبة إلى التكلم، وجاز لأن الغائب هو المتكلم وهو من طريقة الالتفات، وهو أبلغ في الترهيب من قوله وإياه فارهبوه، ومن أن يجئ ما قبله على لفظ المتكلم (الدين) الطاعة (واصبا) حال عمل فيه الظرف، والواصب الواجب الثابت لأن كل نعمة منه فالطاعة واجبة له على كل منعم عليه، ويجوز أن يكون من الوصب: أي وله الدين ذا كلفة ومشقة، ولذلك سمي تكليفا أو وله الجزاء ثابتا دائما سرمدا لا يزول: يعني الثواب والعقاب (وما بكم من نعمة) وأي شئ حل بكم أو اتصل بكم من نعمة فهو من الله (فإليه تجأرون) فما تتضرعون إلا إليه، والجؤار: رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة، قال الأعشى يصف راهبا:
يراوح من صلوات المليك * طورا سجودا وطورا جؤارا وقرئ تجرون بطرح الهمزة وإلقاء حركتها على الجيم. وقرأ قتادة كاشف الضر على فاعل بمعنى فعل، وهو أقوى من كشف لأن بناء المغالبة يدل على المبالغة. فإن قلت: فما معنى قوله (إذا فريق منكم بربهم يشركون)؟
قلت: يجوز أن يكون الخطاب في قوله - وما بكم من نعمة فمن الله - عاما، ويريد بالفريق فريق الكفرة، وأن يكون الخطاب للمشركين، ومنكم للبيان لا للتبعيض كأنه قال: فإذا فريق كافر وهم أنتم، ويجوز أن يكون فيهم من اعتبر كقوله - فما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد - (ليكفروا بما آتيناهم) من نعمة الكشف عنهم كأنهم جعلوا
إنما جمعوا بين العدد والمعدود فيما وراء الواحد والاثنين فقالوا عندي رجال ثلاثة وأفراس أربعة، لأن المعدود عار عن الدلالة على العدد الخاص، وأما رجل ورجلان وفرس وفرسان فمعدودان فيهما دلالة على العدد فلا حاجة إلى أن يقال رجل واحد ورجلان اثنان، فما وجه قوله (إلهين اثنين)؟ قلت: الاسم الحامل لمعنى الإفراد والتثنية دال على شيئين: على الجنسية، والعدد المخصوص، فإذا أريدت الدلالة على أن المعني به منهما والذي يساق إليه الحديث هو العدد شفع بما يؤكده فدل به على القصد إليه والعناية به، ألا ترى أنك لو قلت إنما هو إله ولم تؤكده بواحد لم يحسن وخيل أنك تثبت الإلهية لا الوحدانية (فإياي فارهبون) نقل للكلام عن الغيبة إلى التكلم، وجاز لأن الغائب هو المتكلم وهو من طريقة الالتفات، وهو أبلغ في الترهيب من قوله وإياه فارهبوه، ومن أن يجئ ما قبله على لفظ المتكلم (الدين) الطاعة (واصبا) حال عمل فيه الظرف، والواصب الواجب الثابت لأن كل نعمة منه فالطاعة واجبة له على كل منعم عليه، ويجوز أن يكون من الوصب: أي وله الدين ذا كلفة ومشقة، ولذلك سمي تكليفا أو وله الجزاء ثابتا دائما سرمدا لا يزول: يعني الثواب والعقاب (وما بكم من نعمة) وأي شئ حل بكم أو اتصل بكم من نعمة فهو من الله (فإليه تجأرون) فما تتضرعون إلا إليه، والجؤار: رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة، قال الأعشى يصف راهبا:
يراوح من صلوات المليك * طورا سجودا وطورا جؤارا وقرئ تجرون بطرح الهمزة وإلقاء حركتها على الجيم. وقرأ قتادة كاشف الضر على فاعل بمعنى فعل، وهو أقوى من كشف لأن بناء المغالبة يدل على المبالغة. فإن قلت: فما معنى قوله (إذا فريق منكم بربهم يشركون)؟
قلت: يجوز أن يكون الخطاب في قوله - وما بكم من نعمة فمن الله - عاما، ويريد بالفريق فريق الكفرة، وأن يكون الخطاب للمشركين، ومنكم للبيان لا للتبعيض كأنه قال: فإذا فريق كافر وهم أنتم، ويجوز أن يكون فيهم من اعتبر كقوله - فما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد - (ليكفروا بما آتيناهم) من نعمة الكشف عنهم كأنهم جعلوا