الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤١٠
ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين. إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون. والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون. الذين صبروا
____________________
لأنهم يقولون لا يجب على الله شئ لا ثواب عامل ولا غيره من مواجب الحكمة (ليبين لهم) متعلق بما دل عليه بلى: أي يبعثهم ليبين لهم، والضمير لمن يموت وهو عام للمؤمنين والكافرين والذي اختلفوا فيه هو الحق (وليعلم الذين كفروا أنهم) كذبوا في قولهم - لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ - وفي قولهم - لا يبعث الله من يموت - وقيل يجوز أن يتعلق بقوله - ولقد بعثنا في كل أمة رسولا - أي بعثناه ليبين لهم ما اختلفوا فيه وأنهم كانوا على الضلالة قبله مفترين على الله الكذب (قولنا) مبتدأ، و (أن نقول) خبره، و (كن فيكون) من كان التامة التي بمعنى الحدوث والوجود: أي إذا أردنا وجود شئ فليس إلا أن نقول له أحدث فهو يحدث عقيب ذلك لا يتوقف، وهذا مثل لأن مرادا لا يمتنع عليه، وأن وجوده عند إرادته تعالى غير متوقف كوجود المأمور به عند أمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور المطيع الممتثل، ولا قول ثم، والمعنى: أن إيجاد كل مقدور على الله تعالى بهذه السهولة فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو من شق المقدورات. وقرئ فيكون عطفا على نقول (والذين هاجروا) هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ظلمهم أهل مكة ففروا بدينهم إلى الله، منهم من هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة فجمع بين الهجرتين، ومنهم من هاجر إلى المدينة، وقيل هم الذين كانوا محبوسين معذبين بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلما خرجوا تبعوهم فردوهم، منهم بلال وصهيب وخباب وعمار.
وعن صهيب أنه قال لهم: أنا رجل كبير إن كنت معكم لم أنفعكم، وإن كنت عليكم لم أضركم، فافتدى منهم بماله وهاجر، فلما رآه أبو بكر رضي الله عنه قال له: ربح البيع يا صهيب، وقال له عمر: نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه. وهو ثناء عظيم. يريد: لو لم يخلق الله نارا لأطاعه، فكيف؟ (في الله) في حقه ولوجهه (حسنة) صفة للمصدر: أي لنبوئنهم تبوئة حسنة. وفي قراءة علي رضي الله عنه لنثوينهم ومعناه إئواءة حسنة. وقيل لننزلنهم في الدنيا منزلة حسنة، وهي الغلبة على أهل مكة الذين ظلموهم وعلى العرب قاطبة وعلى أهل المشرق والمغرب. وعن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا أعطى رجلا من المهاجرين عطاء قال: خذ بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك ربك في الدنيا، وما ذكر لك في الآخرة أكثر. وقيل لنبوئنهم مباءة حسنة وهي المدينة حيث آواهم أهلها ونصروهم (لو كانوا يعلمون) الضمير للكفار: أي لو علموا أن الله يجمع لهؤلاء المستضعفين في أيديهم الدنيا والآخرة لرغبوا في دينهم، ويجوز أن يرجع الضمير إلى المهاجرين: أي لو كانوا يعلمون ذلك لزادوا في اجتهادهم وصبرهم (الذين صبروا) على هم الذين صبروا، أو أعني الذين صبروا وكلاهما مدح: أي صبروا على العذاب وعلى مفارقة الوطن الذي هو حرم الله المحبوب في كل قلب فكيف بقلوب قوم هو مسقط رؤوسهم
(٤١٠)
مفاتيح البحث: الصبر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 405 406 407 408 409 410 411 412 413 414 415 ... » »»