الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٠٢
ربكم لرءوف رحيم. والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون.
____________________
زمانا يتحملون المشاق في بلوغه حتى حملت الإبل أثقالهم؟ قلت: معناه وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه في التقدير لو لم تخلق الإبل إلا بجهد أنفسكم لا أنهم لم يكونوا بالغيه في الحقيقة. فإن قلت: كيف طابق قوله لم تكونوا بالغيه قوله وتحمل أثقالكم، وهلا قيل لم تكونوا حامليها إليه؟ قلت: طباقه من حيث إن معناه: وتحمل أثقالكم إلى بلد بعيد قد علمتم أنكم لا تبلغونه بأنفسكم إلا بجهد ومشقة فضلا عن أن تحملوا على ظهوركم أثقالكم، ويجوز أن يكون المعنى: لم تكونوا بالغيه بها إلا بشق الأنفس. وقيل أثقالكم: أجرامكم. وعن عكرمة: البلد مكة (لرءوف رحيم) حيث رحمكم بخلق هذه الحوامل وتيسير هذه المصالح (والخيل والبغال والحمير) عطف على الأنعام: أي خلق هؤلاء للركوب والزينة، وقد احتج على حرمة أكل لحومهن بأن علل خلقها بالركوب والزينة ولم يذكر الأكل بعد ما ذكره في الأنعام. فإن قلت: لم انتصب (وزينة)؟ قلت لأنه مفعول له وهو معطوف على محل لتركبوها. فإن قلت: فهل ورد المعطوف والمعطوف عليه من سنن واحد؟ قلت: لأن الركوب فعل المخاطبين، وأما الزينة ففعل الزائن وهو الخالق. وقرئ لتركبوها زينة بغير واو: أي وخلقها زينة لتركبوها، أو تجعل زينة حالا منها: أي خلقها لتركبوها وهي زينة وجمال (ويخلق ما لا تعلمون) يجوز أن يريد به ما يخلق فينا ولنا مما لا نعلم كنهه وتفاصيله ويمن علينا بذكره كما من بالأشياء المعلومة مع الدلالة على قدرته، ويجوز أن يخبرنا بأن له من الخلائق ما لا علم لنا به ليزيدنا دلالة على اقتداره بالإخبار بذلك وإن طوى عنا علمه لحكمة له في طيه، وقد حمل على ما خلق في الجنة والنار مما لم يبلغه وهم أحد ولا خطر على قلبه. المراد بالسبيل الجنس ولذلك أضاف إليها القصد، وقال ومنها جائر. والقصد مصدر بمعنى الفاعل وهو القاصد، يقال سبيل قصد وقاصد:
(٤٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 ... » »»