الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤١١
وعلى ربهم يتوكلون. وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم لعلهم يتفكرون. أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون. أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين. أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم. أو لم يروا إلى ما خلق الله
____________________
وعلى المجاهدة وبذل الأرواح في سبيل الله. قالت قريش: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا، فقيل (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم) على ألسنة الملائكة (فاسئلوا أهل الذكر) وهم أهل الكتاب ليعلموكم أن الله لم يبعث إلى الأمم السابقة إلا بشرا. فإن قلت: بم تعلق قوله (بالبينات)؟ قلت: له متعلقات شتى فإما أن يتعلق بما أرسلنا داخلا تحت حكم الاستثناء مع رجالا: أي وما أرسلنا إلا رجالا بالبينات كقولك: ما ضربت إلا زيدا بالسوط، لأن أصله ضربت زيدا بالسوط، وإما برجالا صفة له: أي رجالا ملتبسين بالبينات، وإما بأرسلنا مضمرا كأنما قيل: بم أرسلوا؟ فقلت بالبينات، فهو على كلامين والأول على كلام واحد، وإما بيوحى: أي يوحى إليهم بالبينات، وإما بلا تعلمون على أن الشرط في معنى التبكيت والإلزام كقول الأجير:
إن كنت عملت لك فأعطني حقي، وقوله - فاسئلوا أهل الذكر - اعتراض على الوجوه المتقدمة، وأهل الذكر أهل الكتاب، وقيل للكتاب الذكر لأنه موعظة وتنبيه للغافلين (ما نزل إليهم) يعني ما نزل الله إليهم في الذكر مما أمروا به ونهوا عنه ووعدوا وأوعدوا (ولعلهم يتفكرون) وإرادة أن يصغوا إلى تنبيهاته فيتنبهوا ويتأملوا (مكروا السيئات) أي المكرات السيئات وهم أهل مكة، وما مكروا به رسول الله صلى الله عليه وسلم (في تقلبهم) متقلبين في مسايرهم ومتاجرهم وأسباب دنياهم (على تخوف) متخوفين وهو أن يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا فيأخذهم بالعذاب وهم متخوفون متوقعون، وهو خلاف قوله - من حيث لا يشعرون - وقيل هو من قولك تخوفته وتخونته:
إذا تنقصته، قال زهير:
تخوف الرحل منها تامكا قردا * كما تخوف عود النبعة السفن أي يأخذهم على أن ينتقصهم شيئا بعد شئ في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا. وعن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر: ما تقولون فيها؟ فسكتوا، فقام شيخ من هذيل فقال: هذه لغتنا: التخوف التنقص، قال: فهل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال نعم، قال شاعرنا: وأنشد البيت فقال عمر: أيها الناس عليكم بديوانكم لا يضل قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم (فإن ربكم لرؤوف رحيم) حيث يحلم عنكم ولا يعاجلكم مع استحقاقكم. قرئ أو لم يروا ويتفيئوا بالياء والتاء. وما موصولة بخلق الله وهو مبهم بيانه
(٤١١)
مفاتيح البحث: العذاب، العذب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 406 407 408 409 410 411 412 413 414 415 416 ... » »»