الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٦٠
بالرحمن قل هو ربى لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب. ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم يا يئس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا
____________________
(بالرحمن) بالبليغ الرحمة الذي وسعت رحمته كل شئ، وما بهم من نعمة فمنه، فكفروا بنعمته في إرسال مثلك إليهم، وإنزال هذا القرآن المعجز المصدق لسائر الكتب عليهم (قل هو ربى) الواحد المتعالى عن الشركاء (عليه توكلت) في نصرتي عليكم (وإليه متاب) فيثيبني على مصابرتكم ومجاهدتكم (ولو أن قرآنا) جوابه محذوف كما تقول لغلامك: لو أنى قمت إليك وتترك الجواب. والمعنى: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) عن مقارها وزعزعت عن مضاجعها (أو قطعت به الأرض) حتى تتصدع وتتزايل قطعا (أو كلم به الموتى) فتسمع وتجيب لكان هذا القرآن لكونه غاية في التذكير ونهاية في الإنذار والتخويف كما قال - لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله - وهذا يعضد ما فسرت به قوله - لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك - من إرادة تعظيم ما أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن، وقيل معناه: ولو أن قرآنا وقع به تسيير الجبال وتقطيع الأرض وتكليم الموتى وتنبيههم لما آمنوا به ولما تنبهوا عليه كقوله - ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة - الآية. وقيل إن أبا جهل بن هشام قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: سير بقرانك الجبال عن مكة حتى تتسع لنا فنتخذ فيها البساتين والقطائع كما سخرت لداود عليه السلام إن كنت نبيا كما تزعم فلست بأهون على الله من داود، أو سخر لنا به الريح لنركبها ونتجر إلى الشأم ثم نرجع في يومنا فقد شق علينا قطع المسافة البعيدة كما سخرت لسليمان عليه السلام أو ابعث لنا به رجلين أو ثلاثة ممن مات من آبائنا منهم قصي بن كلاب، فنزلت. ومعنى تقطيع الأرض على هذا: قطعها بالسير ومجاوزتها. وعن الفراء: هو متعلق بما قبله، والمعنى: وهم يكفرون بالرحمن ولو أن قرآنا سيرت به الجبال، وما بينهما اعتراض وليس ببعيد من السداد. وقيل قطعت به الأرض: شققت فجعلت أنهارا وعيونا (بل لله الأمر جميعا) على معنيين: أحدهما بل لله القدرة على كل شئ وهو قادر على الآيات التي اقترحوها إلا أن علمه بأن إظهارها مفسدة يصرفه. والثاني بل لله أن يلجئهم إلى الإيمان وهو قادر على الإلجاء لولا أنه بنى أمر التكليف على الاختيار، ويعضده قوله (أفلم ييئس الذين آمنوا أن لو يشاء الله) يعنى مشيئة الإلجاء والقسر (لهدى الناس جميعا) ومعنى أفلم ييئس: أفلم يعلم، قيل هي لغة قوم من النخع، وقيل إنما استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمنه معناه لأن الياس عن الشئ عالم بأنه لا يكون، كما استعمل الرجاء في معنى الخوف والنسيان في معنى الترك لتضمن ذلك. قال سحيم بن وثيل الرياحي:
أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني * ألم تيأسوا أنى ابن فارس زهدم ويدل عليه أن عليا وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين قرأوا أفلم يتبين وهو تفسير أفلم ييئس. وقيل إنما كتبه الكاتب وهو ناعس مستوى السينات، وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتا بين دفتي الإمام وكان متقلبا في أيدي أولئك الأعلام
(٣٦٠)
مفاتيح البحث: الموت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 ... » »»