الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٦١
تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد. ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله فكيف كان عقاب. أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا)
____________________
المحتاطين في دين الله المهيمنين عليه لا يغفلون عن جلائله ودقائقه، خصوصا عن القانون الذي إليه المرجع والقاعدة التي عليها البناء، هذه والله فرية ما فيها مرية، ويجوز أن يتعلق أن لو يشاء بآمنوا على أو لم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا وهداهم (تصيبهم بما صنعوا) من كفرهم وسوء أعمالهم (قارعة) داهية تقرعهم بما يحل الله بهم في كل وقت من صنوف البلايا والمصائب في نفوسهم وأولادهم وأموالهم (أو تحل) القارعة (قريبا) منهم فيفزعون ويضطربون ويتطاير إليهم شررها ويتعدى إليهم شرورها (حتى يأتي وعد الله) وهو موتهم أو القيامة. وقيل ولا يزال كفار مكة تصيبهم بما صنعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم من العداوة والتكذيب قارعة، لأن رسول الله صلى عليه وسلم كان لا يزال يبعث السرايا فتغير حول مكة وتختطف منهم وتصيب من مواشيهم، أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم بجيشك كما حل بالحديبية حتى يأتي وعد الله وهو فتح مكة، وكان الله قد وعده ذلك. الإملاء: الإمهال، وأن يترك ملاوة من الزمان في خفض وأمن كالبهيمة يملى لها في المرعى، وهذا وعيد لهم وجواب عن اقتراحهم الآيات على رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء به وتسلية له (أفمن هو قائم) احتجاج عليهم في إشراكهم بالله: يعني أفلله الذي هو قائم رقيب (على كل نفس) صالحة أو طالحة (بما كسبت) يعلم خيره وشره، ويعد لكل جزاءه كمن ليس كذلك، ويجوز أن يقدر ما يقع خبرا للمبتدأ ويعطف عليه وجعلوا، وتمثيله أفمن هو بهذه الصفة لم يوحدوه (وجعلوا) له وهو الله الذي يستحق العبادة وحده (شركاء قل سموهم) أي جعلتم له شركاء فسموهم له من هم ونبأوه بأسمائهم، ثم قال (أم تنبئونه) على أم المنقطعة كقولك للرجل: قل لي من زيد أم هو أقل من أن يعرف، ومعناه: بل أتنبئونه بشركاء لا يعلمهم في الأرض وهو العالم بما في السماوات والأرض، فإذا لم يعلمهم علم أنهم ليسوا بشئ يتعلق به العلم، والمراد نفي أن يكون له شركاء ونحوه - قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض - (أم بظاهر من القول) بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن يكون لذلك حقيقة كقولك - ذلك قولهم بأفواههم - وما تعبدون من
(٣٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 ... » »»