الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٥٩
الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع. ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدى إليه من أناب الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب. الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب. كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون
____________________
في مقابلة عقبى الدار، ويجوز أن يراد بالدار جهنم وبسوئها عذابها (الله يبسط الرزق) أي الله وحده هو يبسط الرزق ويقدره دون غيره وهو الذي بسط رزق أهل مكة ووسعه عليهم (وفرحوا) بما بسط لهم من الدنيا فرح بطر وأشر، لأفرح سرور بفضل الله وإنعامه عليهم، ولم يقابلوه بالشكر حتى يستوجبوا نعيم الآخرة، وخفى عليهم أن نعيم الدنيا في جنب نعيم الآخرة ليس إلا شيئا نزرا يتمتع به، كعجالة الراكب وهو ما يتعجله من تميرات أو شربة سويق أو نحو ذلك. فإن قلت: كيف طابق قولهم (لولا أنزل عليه آية من ربه) قوله (قل إن الله يضل من يشاء)؟ قلت: هو كلام يجرى مجرى التعجب من قولهم، وذلك أن الآيات الباهرة والمتكائرة التي أوتيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤتها نبي قبله، وكفى بالقرآن وحده آية وراء كل آية، فإذا جحدوها ولم يعتدوا بها وجعلوه كأن آية لم تنزل عليه قط كان موضعا للتعجب والاستنكار، فكأنه قيل لهم: ما أعظم عنادكم وما أشد تصميمكم على كفركم، إن الله يضل من يشاء ممن كان على صفتكم من التصميم وشدة الشكيمة في الكفر فلا سبيل إلى اهتدائهم وإن أنزلت كل آية (ويهدى إليه من) كان على خلاف صفتكم (أناب) أقبل إلى الحق وحقيقته دخل في نوبة الخير، و (الذين آمنوا) بدل من: من أناب (وتطمئن قلوبهم بذكر الله) بذكر رحمته ومغفرته بعد القلق والاضطراب من خشيته كقوله - ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله - أو تطمئن بذكر دلائله الدالة على وحدانيته، أو تطمئن بالقرآن لأنه معجزة بينة تسكن القلوب وتثبت اليقين فيها (الذين آمنوا) مبتدأ، و (طوبى لهم) خبره، ويجوز أن يكون بدلا من القلوب على تقدير حذف المضاف: أي تطمئن القلوب قلوب الذين أمنوا، وطوبى مصدر من طاب كبشرى وزلفى، ومعنى طوبى لك: أصبت خيرا وطيبا، ومحلها النصب أو الرفع كقولك: طيبا لك وطيب لك وسلام لك وسلاما لك. والقراءة في قوله - وحسن مآب - بالرفع والنصب تدلك على محليها، واللام في لهم للبيان مثلها في سقيا لك، والواو في طوبى منقلبة عن ياء لضمة ما قبلها كموقن وموسر، وقرأ مكوزة الأعرابي طيبي لهم فكسر الطاء لتسلم الياء كما قيل بيض ومعيشة (كذلك أرسلناك) مثل ذلك الإرسال أرسلناك: يعنى أرسلناك إرسالا له شأن وفضل على سائر الإرسالات، ثم فسر كيف أرسله فقال (في أمة قد خلت من قبلها أمم) أي أرسلناك في أمة قد تقدمتها أمم كثيرة فهي آخر الأمم وأنت خاتم الأنبياء (لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك) لتقرأ عليهم الكتاب العظيم الذي أوحينا إليك (وهم يكفرون) وحال هؤلاء أنهم يكفرون
(٣٥٩)
مفاتيح البحث: الرزق (1)، الضلال (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 ... » »»