الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٦٤
لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب. وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار. ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب.
____________________
بما ذكر من طلوع تباشير الظفر. وقرئ ننقصها بالتشديد (لا معقب لحكمه) لا راد لحكمه، والمعقب الذي يكر على الشئ فيبطله، وحقيقته الذي يعقبه: أي يقفيه بالرد والإبطال، ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يقفي غريمه بالاقتضاء والطلب، قال لبيد: * طلب المعقب حقه المظلوم * والمعنى: أنه حكم للإسلام بالغلبة والإقبال، وعلى الكفر بالإدبار والانتكاس (وهو سريع الحساب) فعما قليل يحاسبهم في الآخرة بعد عذاب الدنيا فإن قلت: ما محل قوله لا معقب لحكمه؟ قلت: هو جملة محلها النصب على الحال كأنه قيل: والله يحكم نافذا حكمه، كما تقول: جاءني زيد لا عمامة على رأسه ولا قلنسوة، تريد حاسرا (وقد مكر الذين من قبلهم) وصفهم بالمكر ثم جعل مكرهم كلا مكر بالإضافة إلى مكره فقال (فلله المكر جميعا) ثم فسر ذلك بقوله (يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار) لأن من علم ما تكسب كل نفس وأعد لها جزاءها فهو المكر كله، لأنه يأتيهم من حيث لا يعلمون وهم في غفلة مما يراد بهم، وقرئ الكفار والكافرون والذين كفروا والكفر: أي أهله، والمراد بالكافر الجنس. وقرأ جناح بن حبيش: وسيعلم الكافر من أعلمه: أي سيخبر (كفى بالله شهيدا) لما أظهر من الأدلة على رسالتي (ومن عنده علم الكتاب) والذي عنده علم القرآن وما ألف عليه من النظم المعجز الفائت لقوى البشر. وقيل ومن هو من علماء أهل الكتاب الذين أسلموا لأنهم يشهدون بنعته في كتبهم وقيل هو الله عز وعلا والكتاب اللوح المحفوظ. وعن الحسن: لا والله ما يعني إلا الله. والمعنى كفى بالذي يستحق العبادة وبالذي لا يعلم علم ما في اللوح إلا هو شهيدا بيني وبينكم. وتعضده قراءة من قرأ ومن عنده علم الكتاب على من الجارة:
أي ومن لدنه علم الكتاب لأن علم من علمه من فضله ولطفه. وقرئ ومن عنده علم الكتاب على من الجارة وعلم على البناء للمفعول. وقرئ وبمن عنده علم الكتاب. فإن قلت: بم ارتفع علم الكتاب؟ قلت: في القراءة التي
(٣٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 ... » »»